نشر في جريدة القبس بتاريخ 16/9/2009.
العالم كله يتحدث الآن عن تحول اليوان الصيني (أو الرينمينبي والتي تعني في اللغة الصينية عملة الشعب) إلى عملة احتياط عالمية، لينافس في ذلك الدولار الأمريكي في تشكيلة الاحتياطيات من النقد الأجنبي للبنوك المركزية في العالم. حيث تسعى الصين حاليا إلى إضافة اليوان إلى سلة العملات التي يتم على أساسها تقييم وحدات حقوق السحب الخاصة التي يصدرها صندوق النقد الدولي، كذلك بدأت الصين في استخدام اليوان في تسوية المعاملات التجارية بينها وبين بعض دول العالم، هذه الخطوات نظر إليها على أنها بداية تحول اليوان إلى عملة دولية، وتصاعدت التوقعات بأن يتحول اليوان إلى عملة احتياط عالمية. على سبيل المثال أعلن وزير المالية الروسي أن الصين أمامها حوالي 10 سنوات لكي تتحول عملتها إلى عملة احتياط دولية، أي لكي يكون هناك طلب كاف على اليوان بحيث يرتفع نصيبه في الاحتياطيات العالمية من النقد الأجنبي لدى البنوك المركزية للعالم. وهكذا يبدو أن الصين بعد أن طالبت العالم بالبحث عن عملة احتياط بديلة للدولار في اجتماع مجموعة العشرين، فإنها تحاول الآن أن توجد مثل هذه العملة بنفسها من خلال تكثيف استخدام اليوان عالميا.
عملة الاحتياط الدولية هي العملة التي يتم الاحتفاظ بها بكميات كبيرة من قبل البنوك المركزية لدول العالم كجزء من احتياطياتها بالعملات الأجنبية، كما يتم استخدامها في عملية تسعير السلع التجارية الدولية مثل الذهب والنفط وغيرها. ولأن العالم يحتاج إلى كميات كبيرة من عملة الاحتياط، لأغراض بناء احتياطياته من النقد الأجنبي، فان الدولة صاحبة عملة الاحتياط تكون في مركز متميز يمكنها من الحصول على احتياجات الاقتراض اللازمة لها بتكاليف اقل من غيرها من الدول، كذلك فإنها تتمكن من شراء احتياجاتها الاستيرادية من الخارج باستخدام عملتها الوطنية بشكل مباشر، أي بدون حاجة إلى تحويلها إلى عملة أجنبية، مما يقل من تكلفة المعاملات لعمليات الاستيراد بالإضافة إلى العديد من المزايا الأخرى.
وبدءا من ديسمبر الماضي بدأت هونج كونج في استخدام اليوان لتسوية التجارة بين مجموعة مختارة من الشركات الصينية في إقليم جنوب جوندونج مع 6 بنوك مركزية في تعاملات تجارية يقدر حجمها بحوالي 95 مليار دولار. وفي الأسبوع الماضي نشرت بلومبرج أن ثلاث من أكبر الشركات الصينية هي: Shanghai Silk Group وShanghai Electric Group Co. وShanghai Huanyu Import & Export Co. قد بدأت بالفعل في توقيع عقود تسوية صفقات صادراتها ووارداتها باليوان الصيني بدلا من الدولار الأمريكي مع هونج كونج واندونيسيا. كذلك بدأت الصين بالفعل منذ الشهر الماضي بإجراء عدد من الترتيبات المتبادلة في اليوان الصيني Swaps بمقتضاها تقوم الصين بتوفير اليوان للبنوك المركزية ليتم استخدامه لأغراض تمويل المعاملات التجارية مع الصين وذلك لكل من الأرجنتين وهونج كونج واندونيسيا وماليزيا وكوريا الجنوبية، وبمقتضى اتفاقيات الترتيبات المتبادلة مع البنوك المركزية الخارجية سوف تسمح الصين لتلك البنوك بأن تقوم ببيع اليوان الصيني للمستوردين في تلك الدول لتمكينهم من استيراد السلع الصينية باليوان. ولا شك أن مثل هذه الخطوة سوف تقلل من مخاطر معدل الصرف للشركات الصينية، والتي تتعرض لها في ظل النظام الحالي الناجم عن التقلبات الكبيرة في معدلات صرف العملات الدولية بصفة خاصة الدولار واليورو. تسوية المعاملات التجارية باستخدام اليوان يعد إذن أكثر مناسبة لكل من الشركات الصينية والأجنبية التي تتبادل تجاريا مع الصين. حيث سيساعد تلك الشركات الأجنبية على التقليل من تكاليف المعاملات والتي تتحملها من جراء تحويل عملتها المحلية إلى الدولار الأمريكي، ويساعد الشركات الصينية على التقليل من مخاطر تقلبات معدل صرف الدولار. كذلك قامت الصين بعقد صفقات تجارية مع البرازيل باستخدام العملات المحلية للدولتين لأول مرة بدون استخدام الدولار كعملة وسيطة.
بمقتضى هذه السياسات تحاول الصين أن تقلل من تراكم فوائضها التجارية بالدولار الأمريكي. وينظر البعض إلى تزايد الاستخدام لليوان الصيني بدلا من الدولار الأمريكي بأنه يمثل تهديدا للدولار ، بل وأنه يمثل تحولا في طبيعة القوى الاقتصادية على المستوى العالمي وتزايد لأهمية بعض الاقتصاديات الناشئة مثل الصين. من ناحية أخرى فان الصين تدعو العالم وبإلحاح إلى اعتماد عملة احتياط عالمية أخرى غير الدولار هي وكل من روسيا والهند، بسبب المخاطر التي تحيط بالدولار الأمريكي حاليا نتيجة لتصاعد حجم الدين المحلي وإتباع الاحتياطي الفدرالي لسياسات التيسير الكمي على نحو يمكن أن يؤدي إلى حدوث تضخم يطيح بالقوة الشرائية لاحتياطيات العالم من الدولار. كذلك دعا المستشار الاقتصادي للحكومة الهندية هذا الشهر رئيس الوزراء الهندي بضرورة أن تنوع الهند من احتياطياتها بالنقد الأجنبي بعيدا عن الدولار الأمريكي، كذلك وفي أكثر من مرة ادعى الرئيس الروسي ميدفيديف أن الدولار الأمريكي لم يعد يصلح لان يكون عملة الاحتياط للعالم.
إن تعدد عملات الاحتياط يعد في صالح العالم لأنه يعطي الفرصة للبنوك المركزية بأن تدير احتياطياتها من النقد الأجنبي بشكل أفضل وأن تنوع تلك الاحتياطيات، ومن ثم تقلل مستوى المخاطر المصاحبة لتركز هذه الاحتياطيات في عدد محدود جدا من العملات. ومن المؤكد أنه إذا تصاعد دور اليوان عالميا فإن ذلك سوف يحدث آثارا سلبية على الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أن الدور الذي يلعبه الدولار عالميا كعملة الاحتياط الأولى يمنح العديد من المزايا للولايات المتحدة، إذ يمكن ذلك الولايات المتحدة من الاحتفاظ بعجز كبير في ميزان مدفوعاتها بدون قلق لسهولة تمويله من الخارج، واستمرار الاحتفاظ بعجز في ميزانيتها العامة عند مستويات مرتفعة ومن ثم الدين العام الأمريكي بدون آثار كبيرة على مستويات النشاط الاقتصادي فيها نظرا لاستمرار الطلب على الدولار عالميا، وتمكين الولايات المتحدة من إصدار أدوات الدين العام بعملتها المحلية بدلا من العملات الأجنبية، واستمرار الاقتراض من الخارج بمعدلات فائدة منخفضة، كما أن أي انخفاض في قيمة الدولار الأمريكي سوف يتحمله المقرضون للولايات المتحدة أساسا.
الخطوة الصينية كما يبدو ليست بريئة بل ويصفها البعض بأنها محاولة نحو إيجاد دور عالمي لليوان في التسويات التجارية الدولية، بل ويطلق البعض العنان لأفكاره بالادعاء بأن هذه الخطوة هي نقطة بداية لتحقيق الحلم الصيني بتحويل اليوان الصيني إلى عملة احتياط عالمية بدلا من الدولار. قد تبدو الإجراءات التي اتخذتها الصين منطقية، ولكن السؤال الأهم هو هل الصين فعلا مستعدة اقتصاديا وسياسيا لكي تقوم بما يلزم لتحويل اليوان كعملة احتياط عالمية مثل الدولار الأمريكي. فيما يلي نحاول الإجابة على هذا السؤال.
أولا: لكي يصبح اليوان عملة احتياط مثل الدولار فان على الصين أن تتبنى سياسات للصرف الأجنبي تسهل استخدام اليوان الصيني عالميا سواء لأغراض التبادل التجاري أو لأغراض الاستثمار. ويتطلب هذا الأمر أن تقوم الصين بإلغاء كافة القيود على تدفقات رؤوس الأموال من والى الصين، وتمكين المستثمرين من الاستثمار في الأدوات المقومة باليوان الصيني مثل الأسهم والسندات وتوفير نظام مصرفي متقدم يسمح لغير المقيمين بالاحتفاظ بالمودعات بكافة أشكالها باليوان. غير أن الواقع يشير إلى أن النظام الصيني قائم على تقييد تدفقات رؤوس الأموال وإتباع سياسات معدل صرف مقيدة. بمعنى آخر فإن اليوان عملة غير حرة أصلا، وهو تناقض كبير، فكيف يمكن استخدام اليوان كعملة احتياط والعملة الصينية غير قابلة للتحويل بشكل كامل. كيف يمكن أن يتحول اليوان الصيني إلى عملة احتياط وهو عملة مثبتة أصلا بالدولار الأمريكي، وليس قابلا للتحويل بشكل كامل، فإذا كان وضع اليوان كذلك فما هي الحوافز التي تدفع دول العالم على الاحتفاظ به.
ثانيا: لا يوجد حاليا سوق متسع لأدوات الدين الصينية وحتى الآن يتم شراء هذه الأدوات فقط من خلال البنوك الصينية والأطراف الخارجية المسموح لها بذلك مثل البنوك متعددة الأطراف كالبنك الآسيوي للتنمية ومؤسسة التمويل الدولية، كما أن هذه الأدوات تباع فقط في الصين. إن تحرير اليوان يحتاج إلى أسواق سندات أكثر تقدما بحيث تعطي فرص استثمارية أفضل لليوان، ذلك أن المستثمرين والبنوك المركزية لن يحتفظوا باليوان الصيني فقط، وإنما سيقومون باستثمار احتياطياتهم منه بشكل مباشر في الصين. ما تفعله الصين هو حاليا تحرير تمويل تجارتها الخارجية باليوان أي بالنسبة لعمليات ميزانها التجاري، بينما لا تقوم بتحرير اليوان بالنسبة لعمليات حساب رأس المال في ميزان مدفوعاتها. لا بد إذن أن تبرز الصين مزايا استخدام اليوان إذا أرادت للعالم أن يستخدم هذه العملة على نحو متزايد. فلكي يتم استخدام اليوان بصورة حرة عالميا يحتاج المستثمر الأجنبي أن يثق في أسواق المال في الصين وأنها حرة من كافة أشكال التدخل الحكومي في عملية تخصيص الائتمان وهو وضع غير متوافر للصين حاليا.
ثالثا: من الناحية التجارية فان النظام التجاري الصيني يخضع لإجراءات صارمة، ذلك أن الشركات المسموح لها بأن تسوي تعاملاتها باليوان لا بد وأن تحصل أولا على موافقة البنك المركزي الصيني على ذلك، وبمعنى آخر فإن كافة الشركات الصينية ليست مؤهلة لان تحصل على هذا الترخيص، فوفقا للنظام الحالي يسمح فقط للشركات التي تتمتع بوضع ائتماني جيد بالتعامل خارجيا باستخدام اليوان.
رابعا: أن عملة الاحتياط تتطلب بنكا مركزيا مستقلا يضع مستهدفاته سواء النقدية أو الاقتصادية بصورة مستقلة، ويمارس كافة مهامه لتحقيق مستهدفاته بعيدا عن أي تأثير للسياسات الحكومية للدولة، وذلك لكي يضمن الاستقرار اللازم لعملته التي يصدرها، والبنك المركزي الصيني من ابعد البنوك المركزية عن هذا الوضع.
خامسا: ليس من المتوقع أن تقوم الصين بتحرير سياسات معدل الصرف في الأجلين القصير أو المتوسط، ذلك انه إذا كانت الصين جادة في جعل عملتها تتنافس مع الدولار الأمريكي كعملة احتياط وأداة تسوية للمعاملات التجارية الدولية، فان عليها أن تحول اليوان إلى عملة حرة قابلة للتحويل، والتي يتم تحديد قيمتها من خلال قوى العرض والطلب على استخدام اليوان لأغراض التجارة والاستثمار والاحتياط من قبل المتعاملين من كافة دول العالم، وفتح الحدود أمام حرية تدفقات التجارة من والى الصين وإلغاء كافة القيود التجارية والسماح بحرية الوصول لأسواق الأسهم والسندات الصينية وان يتم تداول العملة بحرية بدون تدخل في سوق الصرف الأجنبي لليوان من قبل البنك المركزي الصيني، كافة هذه المتطلبات ليست في أجندة صانع السياسة الاقتصادية الصيني، على الأقل في الأجل المتوسط، لأن ذلك سوف يعني فقدان سيطرة صانع السياسة على اليوان.
سادسا أعتقد أن الصين غير جاهزة حاليا لأن تدفع ثمن هذا الخيار من تنافسيتها التجارية في مقابل الدول الأخرى المنافسة لها في المنطقة. ذلك أن الخطوة الصينية بتكثيف استخدام الصين لعملتها المحلية في التسويات التجارية الدولية بينها وبين دول العالم قد يعرض اليوان الصيني للارتفاع نتيجة ضغوط الطلب في سوق الصرف الأجنبي لليوان، وهو الأمر الذي تحاول الصين تجنبه ومنذ فترة طويلة من خلال عدم الاستجابة للمطالبات العالمية برفع قيمة اليوان، وذلك لكي تضمن لصادراتها ميزة تنافسية إضافية ناجمة من انخفاض قيمة اليوان عن المستويات الحقيقية له الأمر الذي يجعل السلع الصينية رخيصة نسبيا مقارنة بتلك السلع المنافسة لها والمصنوعة في دول جنوب وشرق آسيا من جيرانها. إذا تحقق ذلك فلا شك في أن الصين سوف تخسر جانبا من مزاياها التنافسية التي تتمتع بها حاليا بسبب سياسة اليوان الرخيص، وهو ما قد يمثل بداية النهاية لسياسات الدعم المستتر للصادرات الصينية إلى دول العالم.
سابعا: ليس من مصلحة الصين حاليا أن يقل الطلب العالمي على الدولار الأمريكي أو أن يتراجع دوره كعملة احتياط عالمية باعتبارها أكثر دول العالم التي يمكن أن تخسر من جراء تدهور قيمة الدولار نتيجة انخفاض الطلب عليه، بسبب الاحتياطيات الضخمة التي تحتفظ بها الصين من الدولار الأمريكي وكذلك أدوات الدين الأمريكية.
وأخيرا فان الصين التي يبدو أنها مستقرة سياسيا حاليا وذات اتحاد جغرافي متين كدولة متعددة العرقيات والديانات، من الممكن أن تتعرض لزلزال عنيف مع تزايد الحريات وتصاعد دعاوى الأقاليم بالانفصال أو الحصول على الحكم الذاتي. ربما تبدو هذه المخاطر بعيدة الآن، ولكن من المؤكد أنها مخاطر كامنة وحقيقية.
شخصيا لا أرى أي احتمال لنجاح الحلم الصيني، بصفة خاصة في أن يحل اليوان محل الدولار الأمريكي. فلا الاقتصاد الصيني وطبيعة النظام الاقتصادي فيه، ولا السياسات الاقتصادية التي تتبعها الصين، ولا النظام النقدي الصيني، ولا أسوق النقد أو رأس المال في الصين تسمح لليوان الصيني بأن يتحول إلى عملة احتياط عالمية تحل محل الدولار. فمثل هذه العملة واقتصادها وسياساتها لا تصلح لأن تنال ثقة العالم كعملة احتياط عالمية، فضلا عن افتقادها للخصائص الديناميكية التي يجب أن تتوافر في عملة الاحتياط العالمية. هناك إذن قدر كبير من الشكوك المحيطة بقدرة الصين على تحدي العملة الخضراء، بصفة خاصة حول درجة السيولة التي يمكن أن تتمتع بها العملة الصينية، ومن ثم فإن اليوان القوي لا يمثل تهديدا لوضع الدولار كعملة دولية، وعلى أفضل السيناريوهات المحتملة فان اليوان الصيني يمكن أن يصبح عملة احتياط ثانوية مثل الين الياباني ولكن من المؤكد أن ذلك الأمر سوف يستغرق وقتا طويلا، وربما ينجح اليوان الصيني كعملة احتياط إقليمية أي بين الصين وجاراتها نظرا لقوة العلاقات الاقتصادية بينها، أما على المستوى الدولي فان العملية لا شك تحتاج إلى متطلبات لن تستطيع الصين استيفاءها سواء في الأجل القصير أو المتوسط أو حتى من ناحية استيفاء المتطلبات الهيكلية اللازمة لذلك.
عملة الاحتياط الدولية هي العملة التي يتم الاحتفاظ بها بكميات كبيرة من قبل البنوك المركزية لدول العالم كجزء من احتياطياتها بالعملات الأجنبية، كما يتم استخدامها في عملية تسعير السلع التجارية الدولية مثل الذهب والنفط وغيرها. ولأن العالم يحتاج إلى كميات كبيرة من عملة الاحتياط، لأغراض بناء احتياطياته من النقد الأجنبي، فان الدولة صاحبة عملة الاحتياط تكون في مركز متميز يمكنها من الحصول على احتياجات الاقتراض اللازمة لها بتكاليف اقل من غيرها من الدول، كذلك فإنها تتمكن من شراء احتياجاتها الاستيرادية من الخارج باستخدام عملتها الوطنية بشكل مباشر، أي بدون حاجة إلى تحويلها إلى عملة أجنبية، مما يقل من تكلفة المعاملات لعمليات الاستيراد بالإضافة إلى العديد من المزايا الأخرى.
وبدءا من ديسمبر الماضي بدأت هونج كونج في استخدام اليوان لتسوية التجارة بين مجموعة مختارة من الشركات الصينية في إقليم جنوب جوندونج مع 6 بنوك مركزية في تعاملات تجارية يقدر حجمها بحوالي 95 مليار دولار. وفي الأسبوع الماضي نشرت بلومبرج أن ثلاث من أكبر الشركات الصينية هي: Shanghai Silk Group وShanghai Electric Group Co. وShanghai Huanyu Import & Export Co. قد بدأت بالفعل في توقيع عقود تسوية صفقات صادراتها ووارداتها باليوان الصيني بدلا من الدولار الأمريكي مع هونج كونج واندونيسيا. كذلك بدأت الصين بالفعل منذ الشهر الماضي بإجراء عدد من الترتيبات المتبادلة في اليوان الصيني Swaps بمقتضاها تقوم الصين بتوفير اليوان للبنوك المركزية ليتم استخدامه لأغراض تمويل المعاملات التجارية مع الصين وذلك لكل من الأرجنتين وهونج كونج واندونيسيا وماليزيا وكوريا الجنوبية، وبمقتضى اتفاقيات الترتيبات المتبادلة مع البنوك المركزية الخارجية سوف تسمح الصين لتلك البنوك بأن تقوم ببيع اليوان الصيني للمستوردين في تلك الدول لتمكينهم من استيراد السلع الصينية باليوان. ولا شك أن مثل هذه الخطوة سوف تقلل من مخاطر معدل الصرف للشركات الصينية، والتي تتعرض لها في ظل النظام الحالي الناجم عن التقلبات الكبيرة في معدلات صرف العملات الدولية بصفة خاصة الدولار واليورو. تسوية المعاملات التجارية باستخدام اليوان يعد إذن أكثر مناسبة لكل من الشركات الصينية والأجنبية التي تتبادل تجاريا مع الصين. حيث سيساعد تلك الشركات الأجنبية على التقليل من تكاليف المعاملات والتي تتحملها من جراء تحويل عملتها المحلية إلى الدولار الأمريكي، ويساعد الشركات الصينية على التقليل من مخاطر تقلبات معدل صرف الدولار. كذلك قامت الصين بعقد صفقات تجارية مع البرازيل باستخدام العملات المحلية للدولتين لأول مرة بدون استخدام الدولار كعملة وسيطة.
بمقتضى هذه السياسات تحاول الصين أن تقلل من تراكم فوائضها التجارية بالدولار الأمريكي. وينظر البعض إلى تزايد الاستخدام لليوان الصيني بدلا من الدولار الأمريكي بأنه يمثل تهديدا للدولار ، بل وأنه يمثل تحولا في طبيعة القوى الاقتصادية على المستوى العالمي وتزايد لأهمية بعض الاقتصاديات الناشئة مثل الصين. من ناحية أخرى فان الصين تدعو العالم وبإلحاح إلى اعتماد عملة احتياط عالمية أخرى غير الدولار هي وكل من روسيا والهند، بسبب المخاطر التي تحيط بالدولار الأمريكي حاليا نتيجة لتصاعد حجم الدين المحلي وإتباع الاحتياطي الفدرالي لسياسات التيسير الكمي على نحو يمكن أن يؤدي إلى حدوث تضخم يطيح بالقوة الشرائية لاحتياطيات العالم من الدولار. كذلك دعا المستشار الاقتصادي للحكومة الهندية هذا الشهر رئيس الوزراء الهندي بضرورة أن تنوع الهند من احتياطياتها بالنقد الأجنبي بعيدا عن الدولار الأمريكي، كذلك وفي أكثر من مرة ادعى الرئيس الروسي ميدفيديف أن الدولار الأمريكي لم يعد يصلح لان يكون عملة الاحتياط للعالم.
إن تعدد عملات الاحتياط يعد في صالح العالم لأنه يعطي الفرصة للبنوك المركزية بأن تدير احتياطياتها من النقد الأجنبي بشكل أفضل وأن تنوع تلك الاحتياطيات، ومن ثم تقلل مستوى المخاطر المصاحبة لتركز هذه الاحتياطيات في عدد محدود جدا من العملات. ومن المؤكد أنه إذا تصاعد دور اليوان عالميا فإن ذلك سوف يحدث آثارا سلبية على الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أن الدور الذي يلعبه الدولار عالميا كعملة الاحتياط الأولى يمنح العديد من المزايا للولايات المتحدة، إذ يمكن ذلك الولايات المتحدة من الاحتفاظ بعجز كبير في ميزان مدفوعاتها بدون قلق لسهولة تمويله من الخارج، واستمرار الاحتفاظ بعجز في ميزانيتها العامة عند مستويات مرتفعة ومن ثم الدين العام الأمريكي بدون آثار كبيرة على مستويات النشاط الاقتصادي فيها نظرا لاستمرار الطلب على الدولار عالميا، وتمكين الولايات المتحدة من إصدار أدوات الدين العام بعملتها المحلية بدلا من العملات الأجنبية، واستمرار الاقتراض من الخارج بمعدلات فائدة منخفضة، كما أن أي انخفاض في قيمة الدولار الأمريكي سوف يتحمله المقرضون للولايات المتحدة أساسا.
الخطوة الصينية كما يبدو ليست بريئة بل ويصفها البعض بأنها محاولة نحو إيجاد دور عالمي لليوان في التسويات التجارية الدولية، بل ويطلق البعض العنان لأفكاره بالادعاء بأن هذه الخطوة هي نقطة بداية لتحقيق الحلم الصيني بتحويل اليوان الصيني إلى عملة احتياط عالمية بدلا من الدولار. قد تبدو الإجراءات التي اتخذتها الصين منطقية، ولكن السؤال الأهم هو هل الصين فعلا مستعدة اقتصاديا وسياسيا لكي تقوم بما يلزم لتحويل اليوان كعملة احتياط عالمية مثل الدولار الأمريكي. فيما يلي نحاول الإجابة على هذا السؤال.
أولا: لكي يصبح اليوان عملة احتياط مثل الدولار فان على الصين أن تتبنى سياسات للصرف الأجنبي تسهل استخدام اليوان الصيني عالميا سواء لأغراض التبادل التجاري أو لأغراض الاستثمار. ويتطلب هذا الأمر أن تقوم الصين بإلغاء كافة القيود على تدفقات رؤوس الأموال من والى الصين، وتمكين المستثمرين من الاستثمار في الأدوات المقومة باليوان الصيني مثل الأسهم والسندات وتوفير نظام مصرفي متقدم يسمح لغير المقيمين بالاحتفاظ بالمودعات بكافة أشكالها باليوان. غير أن الواقع يشير إلى أن النظام الصيني قائم على تقييد تدفقات رؤوس الأموال وإتباع سياسات معدل صرف مقيدة. بمعنى آخر فإن اليوان عملة غير حرة أصلا، وهو تناقض كبير، فكيف يمكن استخدام اليوان كعملة احتياط والعملة الصينية غير قابلة للتحويل بشكل كامل. كيف يمكن أن يتحول اليوان الصيني إلى عملة احتياط وهو عملة مثبتة أصلا بالدولار الأمريكي، وليس قابلا للتحويل بشكل كامل، فإذا كان وضع اليوان كذلك فما هي الحوافز التي تدفع دول العالم على الاحتفاظ به.
ثانيا: لا يوجد حاليا سوق متسع لأدوات الدين الصينية وحتى الآن يتم شراء هذه الأدوات فقط من خلال البنوك الصينية والأطراف الخارجية المسموح لها بذلك مثل البنوك متعددة الأطراف كالبنك الآسيوي للتنمية ومؤسسة التمويل الدولية، كما أن هذه الأدوات تباع فقط في الصين. إن تحرير اليوان يحتاج إلى أسواق سندات أكثر تقدما بحيث تعطي فرص استثمارية أفضل لليوان، ذلك أن المستثمرين والبنوك المركزية لن يحتفظوا باليوان الصيني فقط، وإنما سيقومون باستثمار احتياطياتهم منه بشكل مباشر في الصين. ما تفعله الصين هو حاليا تحرير تمويل تجارتها الخارجية باليوان أي بالنسبة لعمليات ميزانها التجاري، بينما لا تقوم بتحرير اليوان بالنسبة لعمليات حساب رأس المال في ميزان مدفوعاتها. لا بد إذن أن تبرز الصين مزايا استخدام اليوان إذا أرادت للعالم أن يستخدم هذه العملة على نحو متزايد. فلكي يتم استخدام اليوان بصورة حرة عالميا يحتاج المستثمر الأجنبي أن يثق في أسواق المال في الصين وأنها حرة من كافة أشكال التدخل الحكومي في عملية تخصيص الائتمان وهو وضع غير متوافر للصين حاليا.
ثالثا: من الناحية التجارية فان النظام التجاري الصيني يخضع لإجراءات صارمة، ذلك أن الشركات المسموح لها بأن تسوي تعاملاتها باليوان لا بد وأن تحصل أولا على موافقة البنك المركزي الصيني على ذلك، وبمعنى آخر فإن كافة الشركات الصينية ليست مؤهلة لان تحصل على هذا الترخيص، فوفقا للنظام الحالي يسمح فقط للشركات التي تتمتع بوضع ائتماني جيد بالتعامل خارجيا باستخدام اليوان.
رابعا: أن عملة الاحتياط تتطلب بنكا مركزيا مستقلا يضع مستهدفاته سواء النقدية أو الاقتصادية بصورة مستقلة، ويمارس كافة مهامه لتحقيق مستهدفاته بعيدا عن أي تأثير للسياسات الحكومية للدولة، وذلك لكي يضمن الاستقرار اللازم لعملته التي يصدرها، والبنك المركزي الصيني من ابعد البنوك المركزية عن هذا الوضع.
خامسا: ليس من المتوقع أن تقوم الصين بتحرير سياسات معدل الصرف في الأجلين القصير أو المتوسط، ذلك انه إذا كانت الصين جادة في جعل عملتها تتنافس مع الدولار الأمريكي كعملة احتياط وأداة تسوية للمعاملات التجارية الدولية، فان عليها أن تحول اليوان إلى عملة حرة قابلة للتحويل، والتي يتم تحديد قيمتها من خلال قوى العرض والطلب على استخدام اليوان لأغراض التجارة والاستثمار والاحتياط من قبل المتعاملين من كافة دول العالم، وفتح الحدود أمام حرية تدفقات التجارة من والى الصين وإلغاء كافة القيود التجارية والسماح بحرية الوصول لأسواق الأسهم والسندات الصينية وان يتم تداول العملة بحرية بدون تدخل في سوق الصرف الأجنبي لليوان من قبل البنك المركزي الصيني، كافة هذه المتطلبات ليست في أجندة صانع السياسة الاقتصادية الصيني، على الأقل في الأجل المتوسط، لأن ذلك سوف يعني فقدان سيطرة صانع السياسة على اليوان.
سادسا أعتقد أن الصين غير جاهزة حاليا لأن تدفع ثمن هذا الخيار من تنافسيتها التجارية في مقابل الدول الأخرى المنافسة لها في المنطقة. ذلك أن الخطوة الصينية بتكثيف استخدام الصين لعملتها المحلية في التسويات التجارية الدولية بينها وبين دول العالم قد يعرض اليوان الصيني للارتفاع نتيجة ضغوط الطلب في سوق الصرف الأجنبي لليوان، وهو الأمر الذي تحاول الصين تجنبه ومنذ فترة طويلة من خلال عدم الاستجابة للمطالبات العالمية برفع قيمة اليوان، وذلك لكي تضمن لصادراتها ميزة تنافسية إضافية ناجمة من انخفاض قيمة اليوان عن المستويات الحقيقية له الأمر الذي يجعل السلع الصينية رخيصة نسبيا مقارنة بتلك السلع المنافسة لها والمصنوعة في دول جنوب وشرق آسيا من جيرانها. إذا تحقق ذلك فلا شك في أن الصين سوف تخسر جانبا من مزاياها التنافسية التي تتمتع بها حاليا بسبب سياسة اليوان الرخيص، وهو ما قد يمثل بداية النهاية لسياسات الدعم المستتر للصادرات الصينية إلى دول العالم.
سابعا: ليس من مصلحة الصين حاليا أن يقل الطلب العالمي على الدولار الأمريكي أو أن يتراجع دوره كعملة احتياط عالمية باعتبارها أكثر دول العالم التي يمكن أن تخسر من جراء تدهور قيمة الدولار نتيجة انخفاض الطلب عليه، بسبب الاحتياطيات الضخمة التي تحتفظ بها الصين من الدولار الأمريكي وكذلك أدوات الدين الأمريكية.
وأخيرا فان الصين التي يبدو أنها مستقرة سياسيا حاليا وذات اتحاد جغرافي متين كدولة متعددة العرقيات والديانات، من الممكن أن تتعرض لزلزال عنيف مع تزايد الحريات وتصاعد دعاوى الأقاليم بالانفصال أو الحصول على الحكم الذاتي. ربما تبدو هذه المخاطر بعيدة الآن، ولكن من المؤكد أنها مخاطر كامنة وحقيقية.
شخصيا لا أرى أي احتمال لنجاح الحلم الصيني، بصفة خاصة في أن يحل اليوان محل الدولار الأمريكي. فلا الاقتصاد الصيني وطبيعة النظام الاقتصادي فيه، ولا السياسات الاقتصادية التي تتبعها الصين، ولا النظام النقدي الصيني، ولا أسوق النقد أو رأس المال في الصين تسمح لليوان الصيني بأن يتحول إلى عملة احتياط عالمية تحل محل الدولار. فمثل هذه العملة واقتصادها وسياساتها لا تصلح لأن تنال ثقة العالم كعملة احتياط عالمية، فضلا عن افتقادها للخصائص الديناميكية التي يجب أن تتوافر في عملة الاحتياط العالمية. هناك إذن قدر كبير من الشكوك المحيطة بقدرة الصين على تحدي العملة الخضراء، بصفة خاصة حول درجة السيولة التي يمكن أن تتمتع بها العملة الصينية، ومن ثم فإن اليوان القوي لا يمثل تهديدا لوضع الدولار كعملة دولية، وعلى أفضل السيناريوهات المحتملة فان اليوان الصيني يمكن أن يصبح عملة احتياط ثانوية مثل الين الياباني ولكن من المؤكد أن ذلك الأمر سوف يستغرق وقتا طويلا، وربما ينجح اليوان الصيني كعملة احتياط إقليمية أي بين الصين وجاراتها نظرا لقوة العلاقات الاقتصادية بينها، أما على المستوى الدولي فان العملية لا شك تحتاج إلى متطلبات لن تستطيع الصين استيفاءها سواء في الأجل القصير أو المتوسط أو حتى من ناحية استيفاء المتطلبات الهيكلية اللازمة لذلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق