صدر منذ أيام التقرير المفصل لصندوق النقد الدولي عن الاقتصاد السعودي، الذي تضمن توقعاته حول آفاق النمو في المملكة خلال السنوات الخمس القادمة، ولكنه في الوقت نفسه يدرج مجموعة المخاطر التي يتوقع أن يتعرض لها الاقتصاد السعودي على الأجلين القصير والمتوسط، التي كما سنلاحظ ترتبط أساسا بتطورات السوق العالمي للنفط الخام وأسعاره.
بالنسبة لاتجاهات النمو، يرسم التقرير صورة إيجابية لآفاق النمو في المملكة في الأجلين القصير والمتوسط، حيث يتوقع الصندوق أن تحقق المملكة معدلات نمو تراوح ما بين 4 في المائة في 2013، و 4.4 في المائة في 2014، وفي المدى المتوسط (السنوات الخمس القادمة) يتوقع أن ينمو الاقتصاد السعودي بمعدل 4.5 في المائة. غير أن هذا النمو ليس على ذات النمط في القطاعات المختلفة في الاقتصاد السعودي، فبينما يتوقع الصندوق أن يحقق القطاع النفطي تراجعا في معدلات النمو في 2013 بنسبة 3.3 في المائة مقارنة بمستوياته في 2012، وذلك نتيجة الأوضاع السائدة حاليا في سوق النفط العالمي، فإن الصندوق يتوقع أن يحقق القطاع الخاص نموا بمعدل 6.5 في المائة بسبب الاستمرار في تنفيذ مشروعات البنى التحتية الضخمة، خصوصا في مجالي النقل والتعدين.
بالنسبة لسوق النفط، يتوقع الصندوق أن تؤدي عمليات إنتاج النفط غير التقليدي في الولايات المتحدة وكندا، فضلا عن استعادة الطاقة الإنتاجية في كل من العراق وليبيا إلى تراجع الإيرادات النفطية للمملكة نتيجة لعاملين يعملان في الاتجاه نفسه: الأول تراجع إنتاج المملكة باعتبارها ضابط إيقاع العرض في السوق النفطي حتى لا تحدث تخمة في الكميات المعروضة تؤدي إلى انهيار الأسعار، والثاني وهو تراجع أسعار النفط الخام، وهذه التطورات إذا ما استمرت لفترة طويلة من الممكن أن يترتب عليها اضطرار الحكومة إلى إجراء تعديلات جوهرية في حجم إنفاقها العام.
أما بالنسبة لأسعار النفط الخام يتوقع الصندوق أن تستمر أسعار النفط حول 100 دولار خلال العامين القادمين، وهو الأمر الذي سوف يترتب عليه تحقيق فوائض مالية كبيرة مع اتجاه الحكومة نحو تخفيض مستويات إنفاقها العام، بينما يتوقع أن يصل معدل التضخم في 2013 إلى 4 في المائة، أما على المدى المتوسط فيتوقع أن يصل معدل التضخم إلى 3.5 في المائة، وهو معدل معقول نسبيا بالنسبة للاتجاهات العامة للتضخم في المملكة.
غير أن هذه الصورة الإيجابية لأوضاع الاقتصاد السعودي في الأجلين القصير والمتوسط يحيط بها مجموعة من المخاطر حددها صندوق النقد الدولي في خمسة أشكال للمخاطر، أو بشكل أكثر دقة عوامل عدم التأكد، التي يمكن تلخيصها في الآتي:
1- مخاطر تراجع النمو في الأسواق الناشئة بصورة أكبر مما يتوقع الصندوق، وهي من المخاطر التي يمكن أن يترتب عليها تراجع أسعار النفط نظرا لتراجع الطلب العالمي على النفط من أهم مصادره في الوقت الحالي، حيث يتوقع أن تتراجع صادرات النفط ومن ثم الإيرادات النفطية، وفي سيناريو للصندوق يقدر أنه لو انخفضت أسعار النفط بنسبة 15 في المائة نتيجة لهذا العامل فإن النمو في الاقتصاد الحقيقي سوف يتراجع بنسبة 1.5 في المائة، أما بالنسبة للقطاع المالي فليس من المتوقع أن يترتب على تلك المخاطر تأثيرات جوهرية نظرا لقوة القواعد الرأسمالية الحالية للمصارف في المملكة، فضلا عن ارتفاع مستويات السيولة التي تتمتع بها.
2- مخاطر تدهور الأوضاع المالية في منطقة اليورو وتعمق مشكلة الديون السيادية فيها، التي من الممكن أن يترتب عليها اضطراب مالي على المستوى الدولي يؤدي إلى تأثيرات سلبية على النمو العالمي، ومن ثم الطلب على النفط وأسعاره. ووفقا لسيناريوهات الصندوق سوف يترتب على تراجع أسعار النفط بنسبة 10 في المائة نتيجة لهذه المخاطر حدوث تراجع في النمو في الاقتصاد الحقيقي بنسبة لا تتجاوز نصف في المائة، في الوقت الذي من المتوقع أن تكون انعكاساتها على القطاع المالي في المملكة محدودة بسبب انخفاض انكشاف القطاع المالي في المملكة على أوروبا.
3- مخاطر حدوث انخفاض كبير في أسعار النفط لفترة زمنية طويلة نتيجة لتعمق الكساد العالمي وزيادة العرض من النفط من خارج أوبك، وتتمثل تأثيرات هذه المخاطر في تراجع الإيرادات النفطية ومن ثم تراجع ثقة القطاع الخاص في المملكة، بالطبع يمكن للمملكة أن تستخدم احتياطياتها الكبيرة حاليا في تحييد أثر هذه المخاطر في اقتصادها الوطني، غير أن ذلك من الممكن أن يعرض تلك الاحتياطيات للاستنزاف، الأمر الذي سوف يدفع الحكومة في النهاية إلى تخفيض إنفاقها العام، وهو ما يترتب عليه آثار سلبية على نمو القطاع غير النفطي وكذلك القطاع المالي.
4- مخاطر عدم قدرة صانع السياسة المحلية على التعامل مع القضايا الاجتماعية الملحة بصفة خاصة ارتفاع معدلات البطالة بين الإناث والشباب من الذكور، حيث من المفترض أن تعمل الحكومة على رفع معدلات التوظيف للعمالة السعودية خلال المدى المتوسط، ولتحقيق ذلك سوف تضطر الحكومة إلى رفع معدلات التوظيف في المكاتب الحكومية وكذلك زيادة مستويات الأجور للموظفين الحكوميين، غير أن مثل هذه السياسات سوف يترتب عليها زيادة درجة انكشاف المملكة على التطورات المعاكسة في سوق النفط الخام.
5- مخاطر حدوث صدمة عرض في السوق العالمي للنفط بسبب أحداث جيوسياسية، وهو ما يمكن أن يترتب عليه ارتفاع مستويات الأسعار، ولكن هذه الصدمة سوف يكون تأثيرها إيجابيا في مجمله، حيث من المتوقع أن ترتفع معها أسعار النفط والكميات المصدرة من جانب المملكة باعتبارها عنصر التوازن الرئيس في العرض العالمي من النفط الخام. ومثل هذه التطورات من المتوقع أن يترتب عليها ارتفاع في مستويات الإنفاق الحكومي والإنفاق الاستهلاكي الخاص ومستويات الاستثمار، ومن ثم ارتفاع مستويات النمو الذي سيترتب عليه ضغوط تضخمية.
هذه باختصار هي مجموعة المخاطر التي يرى الصندوق أن المملكة معرضة لها في الأجلين القصير والمتوسط، وكما هو واضح أن الجانب الأعظم من هذه المخاطر مرتبط بتراجع أسعار النفط ومن ثم الإيرادات النفطية فالإنفاق الحكومي والنمو. لذلك أعتقد أن المخاطر الحقيقية التي يواجهها الاقتصاد السعودي هي المخاطر الهيكلية، فبعد عقود طويلة من التنمية في المملكة، ما زال هيكل الاقتصاد السعودي على حاله تقريبا يعتمد بشكل أساسي على النفط الذي يلعب دورا محوريا في السعودية ويمثل أهم المصادر التي يتأثر من خلالها اقتصادها الوطني، حيث يمثل النفط حوالي 80 في المائة من إيرادات الصادرات وحوالي 90 في المائة من إجمالي الإيرادات الحكومية، ومن هنا تتمحور المخاطر التي تواجه الاقتصاد السعودي في الأجلين القصير والمتوسط كما لاحظنا من سياق التقرير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق