السبت، أغسطس ١٧، ٢٠١٣

فشل سياسة الطفل الواحد في الصين

في عام 1964 تم إنشاء مكتب تنظيم الأسرة القومي في الصين لمراقبة برامج تخفيض الخصوبة، والتي ركزت معظمها على المناطق الحضرية في الدولة من خلال مد الأسر بالتسهيلات العلاجية لتنظيم النسل، وقد أشارت التقارير بعدها بسنتين أن هناك انخفاضا جوهريا في معدلات الخصوبة في المناطق الحضرية، وإن كانت المناطق الريفية قد استمرت على النمط نفسه دون تراجع في مستويات الخصوبة فيها.
كان من الواضح أن استمرار النمو السكاني عند معدلات مرتفعة سيؤدي إلى نتائج كارثية على التنمية في الصين، خصوصا في مراحلها الأولى، حيث يؤدي النمو السكاني إلى نتيجة واحدة وهي تزايد أعداد الفقراء، لذلك قامت الصين بحملات إعلامية ضخمة حول وسائل تنظيم النسل وأدواتها، وتوفير أدوات تنظيم النسل محليا، كان أيضا من السياسات التي اتبعتها الصين التحريض على الزواج المتأخر، وكذلك تأخير عمليات الإنجاب، وفي عام 1978 تم فرض سياسة الطفل الواحد على الأسر بشكل عام، بصفة خاصة في المناطق الحضرية، ويمكن القول بأن معظم الأسر الحالية في المناطق الحضرية أتت من أسر ذات طفل واحد.
كان الهدف الأساسي من السياسة هو الحد من النمو السكاني الكبير في الصين، وبالتالي تحديد عدد الفقراء والأشخاص الذين يعتمدون على الحكومة بشكل أساسي نتيجة النمو غير المنضبط في أعداد السكان.
ترتب على هذه السياسة تراجعا كبيرا في معدلات الخصوبة في الصين إلى مستويات تقل بنحو كبير عن المعدلات اللازمة للإحلال، أي ثبات حجم السكان، والتي تساوي 2.1 في المائة. على سبيل المثال في عام 1970 كان عدد حالات الولادة لكل ألف أنثى هو 477 مولودا، انخفض هذا العدد إلى 164 مولودا فقط لكل ألف أنثى في عام 2011، وتقدر بعض الدراسات أنه إذا لم يتم تطبيق سياسة الطفل الواحد فقد كان من المفترض أن تزداد أعداد الصينيين اليوم بنحو 400 مليون شخص عن مستواها الحالي.
غير أنه كانت هناك استثناءات لهذه الظاهرة، حيث يسمح للأسر التي تتمتع بخصائص معينة بإنجاب طفل إضافي في ظروف ضيقة جدا، ففي عام 2007 تم إرخاء هذه السياسة بعض الشيء من خلال السماح للأسر في الأقاليم الصينية والأقاليم المستقلة، وتلك التي أتت من أسر ذات طفل واحد بأن تنجب طفلين بشرط أن يكون الطفل الوحيد للأسرة أنثى.
بعد أكثر من ثلاثة عقود بدأت تحصد الصين النتائج السلبية لهذه السياسة المتطرفة في تحديد النسل، حيث تسببت السياسة في خلق العديد من المشاكل الخطيرة، أولها؛ أنه انتشرت في الصين عادة الإجهاض الانتقائي الذي يتم بناء على معرفة جنس الجنين، حيث تفضل الكثير من الأسر أن يأتي طفلها الوحيد ذكرا بدلا من الأنثى، لذلك تتم عمليات إجهاض على نطاق واسع للجنين إن ثبت للأسرة أنه أنثى، ونتيجة لذلك فقد حدث خلل كبير في التوازن الطبيعي بين أعداد الذكور والإناث الذين يتم إنجابهم في الصين، ففي عام 2012 قدرا أن هناك 119 مولودا ذكرا، في مقابل كل 100 أنثى وهو ما يمثل أكبر حالات عدم التوازن بين الجنسين في العالم، وهو ما يثير علامة استفهام حول طبيعة الأوضاع الاجتماعية التي يمكن أن تترتب على هذا الاختلال الكبير في معدل التوازن المفترض بين الجنسين، وسيترتب عليه مشكلات اجتماعية من نوع جديد لم يتعرض لها العالم من قبل، بصفة خاصة فيما يرتبط بالاستقرار الاجتماعي.
وثانيها؛ أنه ترتب على سياسة الطفل الواحد تعرض الكثير من الأسر لمخاطر مالية نتيجة وفاة الطفل الوحيد بما يحمله ذلك من تهديد مالي للأبوين خصوصا إذا كانا كبيري السن. إذ تشير بعض الإحصاءات إلى أن نحو مليون أسرة فقدت طفلها الوحيد اليوم، وأن الرقم مرشح للتزايد خلال السنوات المقبلة.
وثالثها؛ أن هذه السياسة قد ترتب عليها تراجع أعداد قوة العمل، على سبيل المثال وفقا لبلومبرج انخفضت قوة العمل في الصين في عام 2012 بأكثر من ثلاثة ملايين عامل، وتشير التوقعات إلى احتمال أن تنخفض بشكل أكبر خلال السنوات القادمة، مع تحول الأعداد الحالية من العمال في سن الـ 65 إلى التقاعد، إذ يقدر أنه بحلول عام 2025 ستتناقص أعداد قوة العمل بنحو عشرة ملايين عامل سنويا بالسياسات الحالية. في ظل هذه الأوضاع يصبح الانخفاض المستقبلي في أعداد قوة العمل في الصين مسألة حتمية حتى لو تم إلغاء قانون الطفل الواحد اليوم. ذلك أن الأمر قد يتطلب مدة تراوح بين 16 ـــ 20 عاما قبل إضافة جيل جديد من المواليد إلى قوة العمل.
ورابعها؛ تزايد نسبة الشيوخ كبار السن إلى صغار السن، على سبيل المثال يتوقع أن تصل أعداد الشيوخ في 2013 إلى نحو 200 مليون، يتزايدون إلى 360 مليونا في 2030.
أصبحت قاعدة الهرم السكاني في الصين هشة للغاية، فوفقا للبيانات المنشورة في 2005، كانت نسبة عدد السكان أقل من 30 عاما لا تتجاوز 29.3 في المائة، وهي نسبة منخفضة جدا بمقاييس الدول النامية، ومع تراجع أعداد قوة العمل وتزايد أعداد الشيوخ، ستصبح الصين في ورطة كبيرة، ففي مقابل كل متقاعد هناك حاليا خمسة عمال، يتوقع أن ينخفض هذا العدد في 2035 إلى عاملين فقط، وهو ما سيرفع من معدلات الإعالة على نحو خطير. ووفقا لبلومبرج يتوقع أن تصل التزامات المعاشات التقاعدية في الصين في 2035 نحو عشرة تريليونات دولار، وهو أكبر من الناتج المحلي الإجمالي في الصين حاليا، فكيف ستتم عملية إنتاج هذا المستوى من الناتج للوفاء بمتطلبات المحالين إلى التقاعد.
إن الصين تحتاج اليوم إلى طفرة في أعداد المواليد لزيادة عدد السكان الذين يمكنهم أن يقوموا بإعالة جيش الشيوخ المتزايد في الصين، وفي ظل هذه الأوضاع يكون أمام الحكومة الصينية خياران، الأول هو إلغاء القوانين الحالية، والثاني وهو التفكير في رفع سن التقاعد، ولكن تأثير السياسات الأخيرة ذلك سيكون وقتيا قبل أن تبدأ أعداد قوة العمل في التراجع.
لكل هذه الأسباب وغيرها تفكر الصين حاليا في تعديل سياسة الطفل الواحد، والذي يتوقع أن يتم في عام 2015، بل إن البعض يتوقع أنه بحلول عام 2020 ستقوم الصين بإلغاء كل القيود على عمليات الإنجاب، على الرغم من أن بعض المراقبين يرى أن تحسين السياسات السكانية في الصين ينبغي أن يقوم على الاستمرار في اتباع السياسات السكانية الحالية القائمة على فرض معدلات منخفضة للخصوبة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق