أدت الأزمة المالية العالمية إلى الإطاحة بالكثير من الأصول التي كان يطلق عليها سابقا ''الأصول الآمنة''، مثل سندات الديون الأوروبية، حيث يقدر أنه بحلول عام 2011 كان أكثر من نصف الأصول الآمنة في العالم قد اختفى، وهو ما وضع المستثمرين حول العالم في وضع حرج، بما في ذلك البنوك المركزية.
من ناحية أخرى، فلقد أحدث تخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة من جانب مؤسسة ستاندرد آند بورز صدمة في العالم، وبدأ الحديث يتكثف حول مدى توافر العرض المناسب من الأصول الاحتياطية الآمنة في العالم، كما أثار علامات استفهام حول مدى سلامة احتياطيات البنوك المركزية لدول العالم من الأصول الدولارية، وهل من الممكن أن تستمر البنوك المركزية في الاحتفاظ بالدولار الأمريكي، باعتباره العمود الفقري لاحتياطيات البنوك المركزية من النقد الأجنبي؟
هذا الوضع المعقد دعا العديد من البنوك المركزية في العالم إلى البحث عن عملات غير تقليدية يمكن أن تستخدم كاحتياطيات تحل محل الدولار الأمريكي، وتتمتع بدرجة من الأمان في ذات الوقت، من ناحية أخرى، أدت مثل هذه الأوضاع الى إثارة تساؤل أساسي لدى البنوك المركزية في العالم حول طبيعة هذه العملات البديلة التي يمكن استخدامها كاحتياطيات لدى تلك البنوك، وهل من الممكن أن تجد هذه البنوك كميات كافية من هذه العملات تتوافق مع حجم الطلب الضخم على الاحتياطيات عالميا، فالأصول الآمنة غير الدولارية ربما نجدها على أفضل الأحوال فيما يسمى بعملات الحصان الأسود مثل الدولار الأسترالي والكندي والفرنك السويسري، ولكن المشكلة الأساسية هي أن الطلب على الأصول الآمنة في العالم ضخم جدا، والذي يصل وفقا لآخر تقرير لصندوق النقد الدولي عن ''تركيبة احتياطيات النقد الأجنبي'' إلى أكثر من 11 تريليون دولار في الربع الأول من 2013.
بينما نجد أن العرض من الأصول الاحتياطية المقومة بالعملات غير التقليدية محدود للغاية ويقل بشكل واضح عن الطلب العالمي على الاحتياطيات، بالطبع القطاع الخاص يمكنه أن يقوم بإصدار أصول آمنة، خصوصا بالنسبة للشركات العالمية الكبرى، لكن البنوك المركزية لا تحتفظ بمثل هذا النوع من الأصول ضمن احتياطياتها العامة، ولذلك تواجه البنوك المركزية ورطة كبيرة، حيث تجد نفسها مرغمة على الاحتفاظ بالدولار الأمريكي، الأمر الذي يسمح لأمريكا بأن تتوسع بأمان في دينها العام، وهو ما يعقد الوضع بصورة أكبر.
ظهرت العملات غير التقليدية ''الدولار الكندي والدولار الأسترالي'' لأول مرة هذا العام ضمن تقارير صندوق النقد الدولي عن تركيبة الاحتياطيات من النقد الأجنبي لدى البنوك المركزية في العالم والموضحة في الجدول المرفق.
ووفقا للجدول فإن إجمالي احتياطيات البنوك المركزية في العالم في الربع الأول من عام 2013 بلغ نحو 11 تريليون دولار، من بينها نحو ستة تريليونات دولار احتياطيات مخصصة، أي تحدد البنوك المركزية كيفية تخصيص احتياطياتها هذه بين العملات المختلفة، واحتياطيات غير مخصصة تصل إلى نحو خمسة تريليونات دولار لا يتم الكشف عنها من جانب البنوك المركزية في العالم.
بإصدار هذه الإحصاءات على هذا النحو أصبحت الاحتياطيات الدولية للبنوك المركزية في العالم تتكون أساسا من سبع عملات هي الدولار الأمريكي واليورو والجنيه الاسترليني والين الياباني والدولار الكندي والدولار الأسترالي والفرنك السويسري، ووفقا لبيانات صندوق النقد الدولي فإن إجمالي العملات غير التقليدية في احتياطيات البنوك المركزية في العالم بلغ 366.2 مليار دولار، أو ما يعادل 6 في المائة من إجمالي الاحتياطيات المخصصة، و3.3 في المائة فقط من إجمالي احتياطيات البنوك المركزية في العالم، وإذا ما نظرنا إلى توزيع هذه الاحتياطيات فسنجد أن احتياطيات البنوك المركزية في العالم في الربع الأول من 2013 من الدولار الكندي قد بلغت نحو 95 مليار دولار، بينما بلغت احتياطيات البنوك المركزية من الدولار الأسترالي 98.7 مليار دولار. في الوقت الذي أخذت فيه كمية الاحتياطيات من العملات الأخرى ''بخلاف الدولار واليورو والاسترليني والين والدولار الكندي والأسترالي'' في التزايد على نحو مثير للاهتمام، حيث بلغت نحو 172.6 مليار دولار.
بالطبع عندما نقارن حجم الاحتياطيات الدولية من هاتين العملتين باجمالي احتياطيات البنوك المركزية في العالم سنجد أن الدور الذي تلعبه هاتان العملتان يصبح هامشيا للغاية، حيث لا تتجاوز نسبة هاتين العملتين إلى إجمالي الاحتياطيات المخصصة التي تبلغ 6.05 تريليون دولار 3.2 في المائة فقط، بينما لا تتجاوز نسبة هاتين العملتين إلى إجمالي احتياطيات العالم الذي يتجاوز 11 تريليون دولار ما نسبته 1.7 في المائة.
وعلى الرغم من أن هذه التطورات تعد إيجابية بالنسبة لتنويع العملات الاحتياطية في العالم وتقليل درجة تركزها حول الدولار الأمريكي، فإن أهم ما ينقص هذه العملات هو غياب أسواق مال تتسم بالعمق والسيولة اللازمة في الوقت ذاته لكي تسمح بتوفير الكميات المناسبة من أدوات الدين التي تتوافق مع الطلب العالمي الكبير على الاحتياطيات، لذلك، وعلى الرغم من درجة الأمان العالية التي تتمتع بها هذه العملات، ستظل هذه العملات قاصرة عن الوفاء باحتياجات الطلب العالمي على الاحتياطيات من النقد الأجنبي، وسوف يظل الدولار الأمريكي سيد الموقف عندما يتعلق الأمر بالاحتياطيات الدولية، نظرا لضخامة سوق الدين بالدولار على النحو الذي يمكن البنوك المركزية في العالم من الحصول على جميع احتياجاتها من الاحتياطيات، دون أن يؤثر ذلك في معدلات العائد المطلوب على أدوات الدين هذه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق