الجمعة، ديسمبر ١١، ٢٠٠٩

تساؤلات حول العملة الخليجية الموحدة

في يوم 25 نوفمبر الماضي وافق مجلس الشورى في مملكة البحرين على مشروع قانون بالتصديق على اتفاقية الاتحاد النقدي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية كما وافق مجلس الأمة الكويتي في 8 ديسمبر الماضي على مشروع قانون الاتفاقية، لتكتمل بذلك الأطر القانونية اللازمة لإطلاق الاتحاد النقدي بين دول مجلس التعاون والمتوقع الإعلان عنه رسميا في قمة الكويت، تمهيدا لإصدار عملة خليجية موحدة لتحل محل العملات المحلية للدول الأربع الأعضاء في هذا الاتحاد وهي المملكة العربية السعودية والكويت وقطر والبحرين. وكانت الإمارات العربية المتحدة قد أعلنت انسحابها من الاتفاقية استنادا إلى أحقيتها في أن يقام البنك المركزي الخليجي على أراضيها، بينما أعلنت سلطنة عمان مسبقا أنها ليست طرفا في هذه الاتفاقية. ولكن لماذا تصر دول المجلس، أو على الأقل الدول الأربع على إطلاق عملة موحدة بدلا من عملاته المحلية؟ من الناحية النظرية يهدف إطلاق عملة موحدة أساسا إلى تسهيل التجارة البينية بين الدول الأعضاء في منطقة الاتحاد النقدي ومن ثم زيادة مستويات النمو، وذلك من خلال التعامل بعملة واحدة بدلا من عدة عملات، الأمر الذي يقلل من آثار تقلبات معدل الصرف على التجارة بين الدول الأعضاء ويساعد على القضاء على تكلفة تحويل العملات بين دول الاتحاد النقدي، ليس فقط في مجال الصفقات التجارية، وإنما أيضا في مجال تدفقات رأس المال، أي تلك المرتبطة بتبادل الأدوات المالية. كذلك تؤدي العملة الموحدة إلى شيوع حالة من الشفافية السعرية، ففي ظل غياب العملة الموحدة سوف تحاول الشركات تحميل المستهلكين بأكبر سعر ممكن في كل سوق محلي من أسواق الاتحاد النقدي، بينما في ظل وجود العملة الموحدة، سوف تجبر الشركات على فرض سعر موحد للسلع في كل الأسواق المحلية لمنطقة الاتحاد، حيث أن وجود فوارق في أسعار نفس السلعة داخل أسواق الاتحاد سوف يدفع إلى نقل السلعة من السوق الذي تباع فيه بسعر منخفض إلى السوق الذي تباع فيه بسعر مرتفع، وبالتالي ستميل الأسعار إلى أن تتوحد في كافة أسواق الاتحاد النقدي. أكثر من ذلك ستميل الأسعار لأن تكون تنافسية داخل الاتحاد في ظل وجود عملة موحدة، حيث تصبح الشركات تحت ضغوط تنافسية اكبر، مما يشجع النمو السريع للإنتاجية والكفاءة في ظل المناخ التنافسي. كما تساعد العملة الموحدة على رفع مستويات النمو الاقتصادي في دول الاتحاد، حيث يؤدي غياب تقلبات العملات إلى إزالة العوائق نحو إعادة هيكلة الإنتاج والنمو، وكذلك تحسين الكفاءة في صناعات دول الاتحاد. فقبل إنشاء العملة الموحدة، سوف تحرص كل صناعة لها مستهلكين في دول الاتحاد على أن تمتلك تسهيلات في كافة الدول الأعضاء، كوسيلة للتحوط ضد تغيرات إيرادات المبيعات في تلك الدول نتيجة تغيرات أسعار عملاتها. كما لا تستطيع الشركات أن تصمم هياكلها، على أساس تحقيق أدنى تكاليف ممكنة عبر دول الاتحاد دون أن تواجه مخاطر تغيرات معدل الصرف. أما بعد إنشاء العملة الموحدة فان الشركات يمكنها أن تنشئ هياكلها الإنتاجية على أساس هدف أقصى كفاءة ممكنة، وهو ما يسمح بتحقيق تحسن كبير في الإنتاجية، والذي يحول عدم وجود العملة الموحدة، أو مخاطر تقلبات معدل الصرف، دون حدوثه. من ناحية أخرى يؤدي إطلاق العملة الموحدة إلى رفع كفاءة أسواق المال في دول الاتحاد النقدي، ويساعد على تطوير أسواق الأسهم ويؤثر فيها تأثيرا ملحوظا من حيث الحجم والعمق والسيولة نتيجة زيادة تدفقات رؤوس الأموال، حيث يتمكن المستثمرون من الحصول على الائتمان اللازم من كافة أسواق دول الاتحاد. ويؤدي تعميق أسواق رؤوس الأموال إلى جعل أسواق المال في تلك الدول أكثر جاذبية للأموال ليس فقط من دول الإقليم، ولكن أيضا من الدول خارج الإقليم، أكثر من ذلك فان الضغوط على إدارات الشركات لكي ترفع من مستويات أداءها سوف تتزايد، نظرا لتداول أدواتها المالية في كافة أسواق الاتحاد وليس في سوق واحد، مما يساعد على الحرص على رفع مستويات نمو الإنتاجية. كذلك يسمح الاتحاد النقدي بزيادة قدرة الشركات في دول الاتحاد على الاندماج، الأمر الذي سيكون له آثارا إيجابية على صعيد الاقتصاد الكلي والكفاءة الاقتصادية نتيجة الاستفادة من الوفورات الناجمة عن اقتصاديات الحجم. وتؤدي العملة الموحدة إلى تخفيض تكاليف الإصدار النقدي وذلك من خلال تركيز عملية إصدار العملة الموحدة في يد بنك مركزي واحد وإدارة نقدية واحدة، بدلا من إصدار عدة عملات من خلال عدة بنوك مركزية. وأخيرا فان إنشاء اتحاد نقدي يجعل مصالح الدول الأعضاء فيه مشتركة بصورة أعمق، وهو ما يؤدي إلى تشجيع مستويات التنسيق والتعاون السياسي بين الدول الأعضاء في الاتحاد حرصا على سلامة الأوضاع الاقتصادية والنقدية في تلك الدول، مما يعظم العوائد الناجمة عن التكامل الاقتصادي.



ولكن هل يعني ذلك أنه لا توجد مضار للعملة الموحدة على دول الاتحاد؟ على الرغم من المزايا العديدة للعملة الموحدة على دول الاتحاد النقدي، فان المخاطر المصاحبة لإطلاق عملة موحدة غير ناجحة كبيرة أيضا، خصوصا على مستوى الاستقرار النقدي والاقتصادي في دول الاتحاد، إذا ما تعرضت تلك العملة للاهتزازات أو لم تتم إدارة معدل صرفها بالكفاءة المناسبة من قبل البنك المركزي للاتحاد، وتؤثر مثل هذه الاهتزازات على استقرار الأسعار وقرارات المنتجين الخاصة بالاستثمار، وانتقال رؤوس الأموال بين دول الاتحاد النقدي، والتأثير على الاستثمارات البينية، فضلا عن التأثير على المستويات العامة للأسعار في دول الاتحاد في حالة الإخفاق في إدارة الإصدار من هذه العملة على نحو مناسب. إضافة إلى ذلك فان هناك اثرين آخرين للعملة الموحدة هما فقدان جزء من السيادة الوطنية بسبب التخلي عن السيطرة الوطنية على السلطات النقدية المحلية في عملية صناعة السياسة النقدية وسياسات معدل الصرف. حيث يترتب على الاتحاد النقدي وإصدار العملة الموحدة تخلي الدول الأعضاء عن عملية تصميم وتنفيذ سياسات نقدية تتماشى مع متطلبات الاقتصاد الوطني، استجابة للتقلبات الاقتصادية التي يواجهها الاقتصاد الوطني، في مقابل إتباع سياسات نقدية مركزية يتم تصميمها وتنفيذها لتتوافق مع مصلحة أغلب دول الاتحاد النقدي. أما الأثر الثاني فيتمثل في حدوث خسارة في إيرادات للدولة الناجمة عن عملية إصدار عملاتها الوطنية حاليا، وكذلك فقدان القدرة على إتباع سياسات نقدية توسعية خلال فترات هبوط أسعار النفط مع تحمل قدر ما من التضخم في سبيل زيادة الإيرادات العامة للدولة، ويحدث ذلك نتيجة قصر عملية إصدار النقود على السلطة النقدية الإقليمية، غير أنه من الممكن تعويض دول الاتحاد عن ذلك بشكل جزئي من خلال توزيع عوائد عملية الإصدار على الدول الأعضاء وفقا لمعايير عادلة.


في ضوء ما سبق ما هو دور البنك المركزي الخليجي وعلاقته بالبنوك المحلية للدول الأعضاء في الاتحاد النقدي؟ يفترض أن عملية إصدار العملة الموحدة ورسم السياسة النقدية المركزية لدول الاتحاد سوف تتم من خلال البنك المركزي الخليجي الذي سيتم إنشاءه في الرياض. البنك المركزي الخليجي سيكون مركز صناعة وتنفيذ السياسات النقدية الموحدة للدول الأعضاء في الاتحاد النقدي، ويمكن تلخيص الوظائف التي سيقوم البنك المركزي الخليجي المقترح إنشاؤه بأدائها في: إصدار العملة الخليجية الموحدة بالكميات التي تتوافق مع مستويات النشاط الاقتصادي في دول الاتحاد، تحديد المعدلات المستهدفة للتضخم والعمل على الحفاظ على تلك المعدلات في دول الاتحاد، ورسم وتنفيذ السياسات النقدية المناسبة لدول الاتحاد، والقيام بعمليات التدخل في سوق الصرف الأجنبي لضمان استقرار معدل صرف العملة الخليجية الموحدة، وضمان استقرار النظام النقدي في دول الاتحاد، ومراقبة أعمال النظام المصرفي في دول الاتحاد في ضوء الأهداف المعلنة للسياسة النقدية الموحدة.


ومما لا شك فيه أن هناك الكثير من القضايا المهمة المرتبطة بالبنك المركزي الخليجي، وهي، كيف ستدار عملية صناعة السياسة النقدية فيه، وكيف سيتم توزيع عوائد عمليات الإصدار النقدي من العملة الخليجية على الدول الأعضاء، أي هل سيتم ذلك على أساس عدد السكان أم حجم الناتج، أم حجم القاعدة النقدية قبل عملية إطلاق العملة الموحدة، وكيف ستتم عملية تحديد معدلات الفائدة، وهل ستتم عمليات إصدار العملة المرتقبة بصورة مركزية، أم بصورة لا مركزية، ومما لا شك فيه أن اللامركزية في إصدار العملة الموحدة المرتقبة سوف تكون غير عملية، خصوصا إذا ما حاولت السلطات النقدية في كل دولة تعظيم عوائدها من عمليات الإصدار على حساب باقي الدول في الاتحاد، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تضخم نتيجة عملية الإفراط الجماعي في الإصدار. من ناحية أخرى ينبغي أن يتم الاتفاق على كيفية توزيع الإصدار النقدي من العملة الخليجية الموحدة على الدول الأعضاء في الاتحاد، وعلى الرغم من وجود عدة قواعد لتوزيع الإصدار النقدي على الدول الأعضاء، إلا أن أفضل قاعدة توزيع للإصدار النقدي الجديد هي أن يتم على أساس مستويات الدخل القومي في الدول الأعضاء. كذلك فان عملية الدفاع عن العملة الخليجية الموحدة سوف تقتضي ضرورة تكوين صندوق احتياطي من العملات الأجنبية يتم الاحتفاظ به من خلال البنك المركزي الخليجي لأغراض التدخل في سوق الصرف الأجنبي في الوقت المناسب للحيلولة دون حدوث تقلبات عنيفة في قيمة العملة الموحدة المرتقبة، ولذلك لا بد من أن يكون هناك اتفاق حول آليات تكوين الاحتياطيات من النقد الأجنبي لدى البنك المركزي الخليجي حتى يكون هناك اتساق في عملية الرقابة والتحكم في تلك الاحتياطيات لأغراض استقرار العملة. وينبغي أن يكون البنك المركزي الخليجي مستقل، على الأقل من تأثير السياسيين، إذ أنه من المعلوم أن البنك المركزي المستقل من أي تأثير سياسي هو من المتطلبات الأساسية لسياسة نقدية متسقة. من ناحية أخرى تعد استقلالية البنك المركزي أحد أساسيات الاستقرار النقدي على المستوى القومي، ولقد أثبتت الدراسات أن التدخل السياسي في شئون البنك المركزي يؤدي إلى عدم تحقيق مستهدفات السياسة النقدية. لذلك ينبغي أن يمنح البنك المركزي الخليجي استقلالية تامة في عملية صناعة وتنفيذ السياسات النقدية.


وأخيرا لا بد من الاتفاق على كيفية إدارة البنك المركزي الخليجي، أي هل ستشكل إدارة متعددة الجنسيات للبنك، بحيث تتم عملية اتخاذ القرارات على أساس التصويت، وإذا تم ذلك فهل سيتم استخدام النظام المستخدم حاليا في التصويت على قرارات المجلس؟ حيث تتمتع كافة الدول الأعضاء، بغض النظر عن مستويات الناتج أو السكان بها، بنفس القدر من التصويت. إن المشكلة الأساسية في الكيان المؤسسي الحالي لدول المجلس تتمثل في أن هناك تساوي في أصوات الأعضاء بغض النظر عن حجمه أو أهميته أو قوته داخل المجلس، وأن الموافقة على قرارات المجلس تتم بالإجماع. مثل هذا النظام يحمل بعض المخاطر خصوصا في حالة عدم القدرة على تحقيق الإجماع. لذا ينبغي أن تتم إعادة صياغة نظام التصويت على قرارات البنك المركزي الخليجي على سبيل المثال في ضوء حجم السكان، على سبيل المثال بأن يكون هناك 10 أصوات لكل مليون من إجمالي السكان (بما في ذلك السكان الوافدين). وصوت إضافي لكل مليار من الناتج المحلي الإجمالي في وقت الإنشاء. على أن تتم إعادة حساب الأصوات كل خمس سنوات تالية، أو أن تتم عملية التصويت بالأغلبية، مع تحديد المقصود بالأغلبية بشكل دقيق، خصوصا في ظل غياب الإمارات العربية المتحدة وعمان عن الاتحاد النقدي.


إذا تم إطلاق العملة الخليجية الموحدة فكيف سيتحدد معدل صرف هذه العملة؟ تعد مسألة كيفية تحديد معدل صرف العملة الخليجية الموحدة من المسائل الحرجة في نجاح المشروع، بصفة خاصة فان إنشاء عملة موحدة وتعويم هذه العملة يمكن أن يحمل الكثير من المخاطر الناجمة عن احتمال تقلب أسعار صرفها، بصفة خاصة في بداية إنشاءها، مع تقلبات الطلب عليها. وهناك العديد من المقترحات في هذا المجال منها ربط العملة الخليجية الموحدة بالدولار الأمريكي حيث تتمثل الميزة الأساسية لهذا المقترح في أنه يتناسب مع النظام الحالي الذي تتبعه دول المجلس، ومن ثم فان ربط العملة الخليجية الموحدة بالدولار يضمن استقرارا اكبر لسوق الصرف الأجنبي لأنه يعد امتدادا للنظام المستخدم حاليا بالنسبة لعملات الدول الأعضاء، عدا الكويت. أضف إلى ذلك أن دول المجلس قد طبقته لسنوات طوال وكان أداءها فيه جيدا، وقد اعتادته البنوك المركزية لدول المجلس. من ناحية أخرى فان هناك عدة مزايا إضافية لربط العملة الخليجية الموحدة بالدولار وهي أن النفط الخام، سلعة التصدير الرئيسية لدول المجلس، يسعر عالميا بالدولار الأمريكي، ومن المعلوم من الناحية النظرية انه يفضل للدول التي تقوم بإنتاج وتصدير سلع أولية أن تقوم بربط عملتها بالعملة التي يتم استخدامها في تقييم أسعار تلك الصادرات. حيث أن هذه الدول تتمتع بميزة كامنة في سياسة معدل الصرف وفقا لهذا الربط، ففي الأوقات التي يميل فيها الدولار نحو الهبوط، فان صادرات هذه الدول سوف تتزايد نتيجة لذلك (بفعل انخفاض قيمة الدولار)، مما يؤدي إلى زيادة إيراداتها من النقد الأجنبي ليعوض أثر النقص في القيمة الشرائية للدولار على واردات هذه الدول، من ناحية أخرى فان ارتفاع قيمة الدولار سوف يؤدي إلى هبوط صادرات تلك الدول، إلا أن قيمة وارداتها سوف تنخفض بالتبعية (نتيجة ارتفاع قيمة الدولار)، مما يعوض أثر النقص في إيرادات الصادرات. ويعني ذلك أن الربط بعملة التصدير يساعد على استقرار شروط التجارة (أسعار الصادرات إلى أسعار الواردات) لهذه الدول. غير انه التجربة الحالية التي تمر بها دول المجلس تشير إلى أن ربط عملاتها المحلية بالدولار كان أمرا مكلفا بالنسبة لتحمل هذه الدول معدلات مرتفعة من التضخم نتيجة الضعف المستمر للدولار الأمريكي، عملة التثبيت المشترك، في ظل تواضع وارداتها من الولايات المتحدة مقارنة بباقي دول العالم. من الممكن أيضا أن يتم ربط العملة الخليجية الموحدة باليورو، حيث أصبح اليورو كعملة دولية أكثر استقرارا من الدولار الأمريكي، أو هكذا تبدو الأمور حاليا، حيث يدعمه عدد اكبر من الاقتصاديات القوية، كما تنخفض هجمات المضاربة عليه بشكل واضح، كذلك فان الدور الذي يلعبه اليورو في السوق النقدي العالمي وكذلك في الاحتياطيات العالمية من النقد الأجنبي آخذ في التزايد بصورة واضحة، غير أن العيوب الكامنة للربط باليورو هي نفس العيوب المصاحبة للربط بعملة واحدة مثل الدولار الأمريكي. ويمكن ربط العملة الخليجية الموحدة بوحدات حقوق السحب الخاصة، وهي عملة احتياطي دولية يصدرها صندوق النقد الدولي، ليتم توزيعها على الأعضاء وفقا لنسبة حصص الدول الأعضاء في رأس مال الصندوق، وهي عملة حسابية، أي ليس لها وجود مادي، وإنما يصدرها صندوق النقد الدولي لزيادة حجم السيولة الدولية للدول الأعضاء، ويقتصر استخدامها على البنوك المركزية للدول. ويتم ربط حقوق السحب الخاصة حاليا بسلة من العملات هي أساسا الدولار الأمريكي واليورو الأوروبي والين الياباني والجنيه الإسترليني، ويعني ربط العملة الخليجية الموحدة بوحدات حقوق السحب الخاصة أنه هناك ربطا غير مباشر لتلك العملة بسلة من العملات الدولية، وهي السلة المكونة لمعدل صرف حقوق السحب الخاصة. وتتمتع حقوق السحب الخاصة بقدر كبير من الاستقرار كعملة احتياطي دولية، وهو ما يمكن أن يضفي قدرا كبيرا من الاستقرار في العملة المقترحة. كذلك يمكن ربط العملة الخليجية الموحدة بسلة موسعة من العملات، ويعد هذا النظام خطوة نحو تحقيق استقرار اكبر في معدل صرف العملة الخليجية الموحدة، حيث يعني الربط بسلة موسعة من العملات، تحديد وزن محدد لكل عملة من العملات داخل السلة، ربما على أساس أهمية حجم التجارة (صادرات وواردات دول الاتحاد مع تلك الدولة إلى إجمالي صادرات وواردات دول الاتحاد) والاستثمار (استثمارات دول الاتحاد في تلك الدولة إلى إجمالي استثمارات الاتحاد) في الدول صاحبة تلك العملات، ويؤدي ذلك إلى درجة أعلى من الاستقرار في معدل الصرف. ذلك أن ارتفاع معدل صرف عملة ما داخل السلة، يعني في ذات الوقت انخفاض معدلات صرف باقي العملات في السلة بالنسبة لتلك العملة، فإذا كانت أوزان العملات داخل السلة موزعة بطريقة مناسبة، فانه من المفترض أن لا يترتب على ذلك أي تأثير على معدل صرف العملة الخليجية الموحدة. ويتميز هذا الربط بأنه ربط واقعي، كما أنه يسمح لدول المجلس بتعديل مكونات السلة من وقت لآخر وفقا لتطورات المعاملات التجارية والمالية التي تتم بين دول المجلس ودول سلة العملات. وأخيرا يمكن ان يتم تحديد معدل صرف العملة الخليجية الموحدة من خلال قوى السوق، أي ترك معدل صرف العملة المقترحة وفقا لقوى العرض والطلب. إلا أنه لا يفضل أن يتم تحرير معدل صرف العملة الخليجية الموحدة، أو على الأقل في المراحل الأولى لعملية إصدارها حتى لا تتعرض لهزات تؤثر على الاستقرار النقدي لدول مجلس التعاون وتزيد من احتمالات هجمات المضاربة عليها، الأمر الذي قد يؤدي في أسوأ الاحتمالات إلى تهديد مشروع الاتحاد النقدي برمته، خاصة بالنسبة لمجموعة دول تتعرض من آن لآخر إلى تقلبات خارجية عنيفة.

ولكن هل ستفقد أي من العملات الأربع لدول الاتحاد النقدي الخليجي جزءا من قيمتها عند التوحد مع العملة الخليجية الموحدة؟ هذا التساؤل يثيره الكثيرون، خصوصا هنا في الكويت، حيث يعتقد البعض أن الدينار الكويتي، بوصفه أعلى عملة في العالم من حيث القيمة، سوف يفقد جزءا من قيمته عند إصدار العملة الموحدة، وهو ما يمثل خسارة محتملة لكل من يحتفظ بالدينار الكويتي. الإجابة على هذا السؤال هي بالتأكيد لا، لن تفقد أي عملة من عملات الدول الأربع جزءا من قيمتها عند التوحد مع العملة الخليجية الموحدة، لأنه يفترض قبل ان يتم إطلاق العملة الموحدة أن تكون هناك فترة زمنية انتقالية يتم خلال هذه الفترة تحديد معدلات صرف ثابتة بين عملات الدول الأربع والعملة الموحدة، لتبدأ عملية استبدال العملات المحلية من قبل المواطنين في هذه الدول بالعملة الموحدة على أساس هذه المعدلات الثابتة، ثم تتم عملية السحب التدريجي للعملات الأربع من التداول يعتمد ذلك على سرعة عملية الاستبدال، حتى تختفي العملات المحلية للدول الأربع من التداول، وتصبح العملة الموحدة هي العملة الأساسية في عمليات تمويل المبادلات المختلفة في دول الاتحاد. وعلى ذلك فان إطلاق العملة الموحدة لن يؤدي لأي خسائر تلحق بمن يحتفظ بعملته المحلية عند إصدار تلك العملة بسبب معدلات الاستبدال على أساس ثابت.

وأخيرا ربما يكون التساؤل حول متى سيتم إصدار العملة الخليجية الموحدة؟ هو أكثر التساؤلات إلحاحا في هذه المرحلة. إن اتفاق الدول الأربع في المجلس على الوحدة النقدية، هو اتفاق على الإطار العام للاتفاقية، وليس معنى ذلك أننا سوف نرى العملة الخليجية الموحدة في العام القادم، أو في الأعوام القليلة القادمة. ولا أعتقد أننا سوف نرى العملة الخليجية في التداول قبل عشر سنوات من الآن، على أفضل تقدير. فما زال هناك مشوار طويل أمام الدول الأعضاء عليهم السير فيه لإعداد الترتيبات المناسبة لإطلاق هذه العملة قبل أن نراها على أرض الواقع. بصفة خاصة، تحديد اسم هذه العملة، وتصميم هذه العملة، وفئاتها، وأسس تحديد معدل صرفها، وأسس تحديد الكميات المصدرة منها، وأين سيتم الإصدار، وكيفية توزيع هذا الإصدار بين الدول الأعضاء في الاتحاد النقدي، والأدوار الأساسية التي سيلعبها البنك المركزي الخليجي في إدارة هذه العملة، ودور البنوك المركزية المحلية للدول الأعضاء، وتحديد حجم احتياطيات النقد الأجنبي اللازمة لضمان استقرار هذه العملة، وكيفية توزيع هذا الاحتياطي على الدول الأعضاء، وتحديد طول الفترة الانتقالية قبل إصدار العملة وتاريخ بدءها وانتهاءها، وتحديد معدلات التحويل الثابتة للعملات المحلية والعملة الموحدة خلال هذه الفترة الانتقالية... إلى آخر هذه القائمة الطويلة جدا من الترتيبات، وهي موضوعات لا شك أنها تحتاج إلى وقت طويل لمعالجتها، قبل أن نرى العملة الموحدة واقعا حيا بين أيدينا.


هناك تعليقان (٢):

  1. وااااااااااااااو
    يبي لنا عشر سنوات
    أتوقع كثي مرررررة
    المفرووووض سنتين على الأكثر
    سنة ترتيب وسنة استبدال
    ويا دار ما دخلك شر
    بدل ما تكون الإجتماعات كل 3 شهور تكون كل اسبوع
    وإنتهى الأمر
    تحياتي
    مجهووووووووووول

    ردحذف
  2. شكرا
    الموضوع أعقد بكثير مما تتوقع، تخيل عملية استبدال عملات اربع دول بعملة جديدة تحل محل هذه العملات، لا بد وأن تضمن اولا عملية الاطلاق الناجح لهذه العملة، والا ستكون كارثة على سكان هذه البلاد اذا تم اطلاق عملة بترتيبات غير مناسبة.
    أعتقد أننا لن نرى العملة الخليجية الموحدة خلال عشر سنوات قادمة.

    ردحذف