الاثنين، ديسمبر ١٤، ٢٠٠٩

بن برنانكي يجيب على أكثر الأسئلة طرحا في الولايات المتحدة

تعد أكثر الأسئلة طرحا في الولايات المتحدة أربعة أسئلة هي:

1. إلى أين يتجه الاقتصاد الأمريكي الآن؟
2.ماذا يفعل الاحتياطي الفدرالي الآن لدعم الاقتصاد الأمريكي والنظام المالي به؟
3. هل ستؤدي إجراءات الاحتياطي الفدرالي إلى ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة في المستقبل؟
4. كيف يمكننا تجنب حدوث أزمة مماثلة للأزمة الحالية في المستقبل؟
وقد تناول بن برنانكي رئيس الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي الأمريكي) الإجابة على هذه الأسئلة على نحو مفصل وهام جدا، وقد احتوت إجاباته على قضايا في غاية الخطورة والأهمية في الوقت ذاته، وهو ما يقتضي ضرورة إتاحة هذه الإجابات للقارئ وصانع السياسة النقدية العربي. في إجابته عن السؤال الخاص بـ إلى أين يتجه الاقتصاد الأمريكي الآن؟ قال برنانكي:


لقد شهد الاقتصاد الأمريكي بدء استعادة في النشاط الاقتصادي في الآونة الأخيرة، وهو ما يعكس في جزء منه تراجع بعض العوامل التي كانت تقيد نمو الاقتصاد الأمريكي خلال الفترة السابقة. فعندما انهار الطلب الكلي والذي تسارع معدله في الجزء الأخير من عام 2008 حدثت زيادة مستويات المخزونات غير المباعة لدى الشركات الأمريكية من السلع غير المباعة، والذي بدوره أدى إلى خفض الإنتاج والتوظف بشكل كبير. ويتضح أثر هذه الظاهرة بصورة واضحة في صناعة السيارات، حيث واجه الكثير من صناع السيارات ضغوطا مالية شديدة، أدت إلى توقف الإنتاج في العديد خطوط الإنتاج. وبحلول منتصف هذا العام، أدى السحب المتزايد من المخزون إلى خفض مستويات المخزون بصورة كافية لتشجيع الشركات في مجموعة واسعة من الصناعات لبدء زيادة الإنتاج مرة أخرى، ومن ثم المساهمة في الانفراج الأخير في معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي.


وعلى الرغم من أن انخفاض المخزون قد عمل على تشجيع مستويات الإنتاج، إلا أن استدامة عملية استعادة النشاط الاقتصادي تتطلب استمرار النمو في المبيعات النهائية، ومن الأمور المشجعة أن هناك بعض الأدلة عن وجود طلب أقوى على المساكن والسلع الاستهلاكية والخدمات، ففي قطاع الإسكان أخذت مبيعات المنازل الجديدة في الارتفاع بشكل ملحوظ على مدى هذه السنة، كما تماسكت الأسعار قليلا، وفي الوقت نفسه، أخذ رصيد المنازل الجديدة غير المباع في التقلص. ونتيجة لهذه التطورات أخذ البناءون إلى حد ما في زيادة معدلات البناء، وهو تغير ملحوظ مقارنة بالتراجعات الحادة التي اتسمت بها السنوات القليلة الماضية.


كذلك أخذ الإنفاق الاستهلاكي أيضا في الازدياد منذ منتصف العام، ويعكس جزء من هذه الزيادة الارتفاع المؤقت في مشتريات السيارات التي نتجت عن برنامج دعم عملية استبدال السيارات القديمة بسيارات جديدة ذات كفاءة أعلى في استخدام الوقود أو ما يطلق عليه برنامج "cash for clunkers"، ولكن الإنفاق في الفئات الأخرى من السلع الاستهلاكية قد تزايد أيضا. أما في قطاع الأعمال، فإن الإنفاق على المعدات والبرمجيات الجديدة يظهر قدر من بوادر الاستقرار، كذلك فان تحسن الظروف الاقتصادية في الخارج أدى إلى إنعاش الطلب على الصادرات الأمريكية. وعلى الرغم من أننا قد بدأنا نرى بعض التحسن في النشاط الاقتصادي، فلا يزال يتعين علينا أن نقطع شوطا طويلا قبل أن نتمكن من التأكد من أن الانتعاش سوف يستمر، كذلك فإن من القضايا المهمة التأكد مما إذا كان الانتعاش سوف تكون قويا بما يكفي لخلق عدد كبير من الوظائف، حيث ستكون هناك حاجة ماسة إلى خفض معدل البطالة. وتنبغي الإشارة إلى أن التوقعات الاقتصادية تخضع لقدر كبير من عدم التأكد، لكن برنانكي يعتقد في هذه المرحلة ستشهد نموا اقتصاديا معقولا في العام المقبل، بما يكفي لخفض معدل البطالة، وربما بوتيرة أبطأ مما هو مطلوب. وهناك عدد من العوامل التي تدعم الرأي القائل بأن الانتعاش سيستمر في العام المقبل، والأهم من ذلك، فإن الأوضاع المالية لا زالت تتحسن؛ فالشركات تواجه صعوبات لا تذكر في جمع الأموال في أسواق السندات والأوراق المالية، كما أن أسعار الأسهم وقيم الأصول الأخرى تتعافى بشكل كبير من مستويات الانخفاض الكبير التي حدثت لها، بالإضافة إلى أن هناك مجموعة متنوعة من المؤشرات التي تشير إلى أن المخاوف من الانهيار النظامي للمؤسسات المالية قد انحسرت إلى حد كبير. حيث الولايات المتحدة تتبع الآن سياسات مالية ونقدية داعمة للاقتصاد.\


من ناحية أخرى ، فإن الاقتصاد يواجه بعض الرياح المعاكسة الهائلة التي يبدو أنها سوف تبقي وتيرة التوسع في النشاط الاقتصادي متواضعة. فعلى الرغم من التحسن العام في الأوضاع المالية في الاقتصاد الأمريكي، فما زالت مستويات الائتمان مقيدة بالنسبة لكثير من المقترضين، وخاصة المقترضين من البنوك والقطاع العائلي والشركات الصغيرة. كما أنه على الرغم من أن سوق العمل توقف عن التراجع بالوتيرة التي شهدناها في عام 2008 وأوائل هذا العام، إلا أنه لا يزال ضعيفا، ومن غير المتوقع أن يزداد إنفاق القطاع العائلي عندما يستمر شعور الأفراد بالقلق بشأن الأمان الوظيفي وأن الحصول على الائتمان ما زال محدودا بالنسبة لهم. أما بالنسبة للتضخم فإنه يتأثر بعدد من التيارات غير السلسة، فقد أسهمت المعدلات العالية من ضعف للموارد التي تسهم في تباطؤ النمو في الأجور واتجاهات الأسعار، وعلى المدى الأطول فإن توقعات التضخم تعد مستقرة، وقد ارتفعت أسعار السلع الأساسية في الآونة الأخيرة، وهو ما يعكس الارتفاع في النشاط الاقتصادي العالمي وانخفاض قيمة الدولار، وسوف يواصل الاحتياطي الفدرالي مراقبة التضخم عن كثب، والذي من المرجح أن سيظل منخفضا لبعض الوقت.


السؤال الثاني الذي تناوله بن برنانكي هو: ماذا فعل الاحتياطي الفدرالي لدعم الاقتصاد الأمريكي والنظام المالي فيه؟ يقول برنانكي إن مناقشة سؤال أين يتجه الاقتصاد الأمريكي تقودنا إلى السؤال الثاني: ما الذي قام بهي الاحتياطي الفدرالي الاقتصاد والنظام المالي؟ لقد قام الاحتياطي الفدرالي، وما زال، بخطوات كبيرة من أجل تعزيز الاستقرار المالي وتحفيز الانتعاش في التوظيف والنشاط الاقتصادي، على وجه الخصوص، بدء الاحتياطي الفدرالي عملية تيسير السياسة النقدية في سبتمبر 2007، مباشرة بعد بدء الأزمة بوقت قصير، وبحلول منتصف ديسمبر 2008، كان معدل الفائدة المستهدف يتراوح بين الصفر إلى 0.25%، مقارنة مع 5.25% قبل الأزمة، وقد حافظ على مستويات منخفضة جدا للفائدة في السنة الماضية.


وقد تجاوزت جهود الاحتياطي الفدرالي لدعم الاقتصاد ما وراء السياسة النقدية التقليدية، ولقد سبق أن ألمح برنانكي إلى التعاون الوثيق بين الاحتياطي الفدرالي ووزارة الخزانة، ومؤسسة التأمين على الودائع الفدرالية، والسلطات المحلية والأجنبية الأخرى، من أجل بذل جهود متضافرة وناجحة في نهاية المطاف لتحقيق الاستقرار في النظام المصرفي العالمي، الذي أوشك على الانهيار بعد أحداث سبتمبر/أكتوبر 2008 الاستثنائية. وفي وقت لاحق تم اتخاذ تدابير قوية، بشكل مستقل أو بالاشتراك مع وكالات أخرى، للمساعدة في استعادة المؤسسات المالية الرئيسية وأسواق الائتمان لطبيعتها ودعم وظائفها التي تعطلت بسبب الأزمة. ومن بين هذه المؤسسات صناديق الاستثمار في السوق النقدي، والتي يستثمر فيها أعدادا كبيرة من الأسر الأميركية، وقطاع الأعمال، والبلديات في صورة استثمارات قصيرة الأجل، وكذلك سوق الأوراق التجارية، الذي تستثمر فيه الكثير من الشركات بشكل يومي. كما قام الاحتياطي الفدرالي في وقت لاحق بإصدار وتوسيع ترتيبات خاصة مع بنوك مركزية أخرى في العالم لتوفير الدولار في أسواق التمويل العالمية، عندما اكتشف أن الاضطرابات في الأسواق القائمة على الدولار في الخارج قد بدأت في الانتشار في الأسواق الأمريكية.


وقد لعب الاحتياطي الفدرالي دورا هاما في الآونة الأخيرة للمساعدة على إعادة تشغيل أسواق الأوراق المالية المدعومة بالأصول التي تمول قروض شراء السيارات، وقروض بطاقات الائتمان، والقروض التجارية الصغيرة، وقروض الطلاب، وقروض تمويل العقارات التجارية، وأنواع أخرى من الائتمان، من خلال العمل على إحياء هذه الأسواق، بما يسمح للبنوك للاستفادة بصورة أوسع من أسواق الأوراق المالية لتمويل قروضها، كما ساعد البنوك على إفساح مجال أكبر في ميزانياتها لتقديم الائتمان جديد إلى القطاع العائلي والشركات. بالإضافة إلى ذلك أيد الاحتياطي الفدرالي تشغيل أسواق الائتمان الخاص وساعد على خفض معدلات الفائدة على السندات والرهون العقارية، والقروض الأخرى من خلال شراء كميات غير مسبوقة من الأوراق المالية المرتبطة بالرهن العقاري وسندات الخزينة. وفي جميع هذه الجهود لم يكن هدف الاحتياطي الفدرالي مقتصرا على دعم المؤسسات المالية أو الأسواق لتحقيق مصلحتها الخاصة، وبدلا من ذلك، فإن الاحتياطي الفدرالي يسلم بأن الاقتصاد السليم يتطلب حسن أداء الأسواق المالية، وقد تحرك الاحتياطي الفدرالي دائما بهدف وحيد هو تعزيز الانتعاش الاقتصادي ودعم الفرص الاقتصادية. وفي هذا الصدد، كان الاحتياطي الفدرالي يملك الوسائل والغايات التي كانت متسقة تماما مع الوظائف التقليدية للبنك المركزي ومع السلطة الممنوحة للاحتياطي الفدرالي من قبل الكونغرس لتعزيز استقرار الأسعار وتحقيق أقصى مستويات التوظف.


وبالإضافة إلى تيسير السياسة النقدية والعمل على استقرار الأسواق المالية، عمل الاحتياطي الفدرالي كمراقب للبنوك على تشجيع الإقراض المصرفي. ففي نوفمبر 2008 اشترك مع الجهات الرقابية المصرفية الأخرى لحث المصارف على مواصلة الإقراض للمقترضين ذوي الجدارة الائتمانية، بما يعود بالنفع على كل من الاقتصاد والمصارف، ولقد قدم للبنوك مؤخرا مجموعة توجيهات بناءة للتعامل مع القروض العقارية التجارية المتعثرة. وفي ربيع هذا العام قام الاحتياطي الفدرالي بفحص مكثف لـ 19 من أكبر بنوك البلاد، وهي عملية تعرف رسميا باسم برنامج الإشراف على تقييم رأس المال، أو SCAP، أو ما يعرف بصورة غير رسمية باسم "اختبار الضغط"، وقد صمم هذا التقييم لضمان أن هذه المصارف، التي تمثل نحو ثلثي أصول النظام المصرفي في الولايات المتحدة، سوف تظل ذات رسملة جيدة وقادرة على الإقراض للمقترضين ذوي الجدارة الائتمانية حتى لو تطورت الظروف الاقتصادية على نحو أسوأ مما كان متوقعا، وقد أدى الكشف عن نتائج التقييم في مايو 2009 إلى الكشف عن الأوضاع الحقيقية للبنوك وقد كان ذلك بمثابة نقطة تحول في استعادة الثقة في البنوك الأمريكية. وفي الشهور التي انقضت منذ ذلك الحين، وبتشجيع قوي من المشرفين على المصارف الاتحادية، قام العديد من هذه المؤسسات الكبرى بجمع المليارات من الدولارات في صورة رأس مال جديد، ومن ثم تحسين قدرتها على تحمل الخسائر المحتملة في المستقبل وتقديم القروض مع بدء تعافي الطلب على الائتمان. وفي الوقت نفسه، استمرت جهود الاحتياطي الفدرالي لضمان معاملة عادلة لعملاء الشركات المالية، وخلال السنة والنصف الماضية، قام الاحتياطي الفدرالي بإصلاح شامل لأنظمة حماية المقترضين لأغراض الرهن العقاري وحملة بطاقات الائتمان، ووضع خطط لحماية المستخدمين لتسهيلات السحب على المكشوف، من بين آخرين.


وفي التنقل خلال هذه الأزمة تمت مساعدة الاحتياطي الفدرالي إلى حد كبير من الهيكل الإقليمي (بنوك الاحتياطي الإقليمية) الذي أنشأه الكونغرس عندما أنشأ مجلس الاحتياطي الاتحادي في عام 1913. فقد قدم أكثر من 270 من رجال الأعمال والمصرفيين والمديرين التنفيذيين لمؤسسات لا تهدف إلى الربح، والأكاديميين، والزراعيين، وقادة العمال الذين يعملون في مجالس إدارات البنوك الـ 12 وفروعها الـ 24 معلومات قيمة حول الأوضاع الاقتصادية والمالية الحالية والتي لا تستطيع الإحصاءات أن تقدمها، وبالتالي فإن هيكل الاحتياطي الفدرالي يضمن أن صناع السياسة في الولايات المتحدة على علم بما يجري، ليس فقط من خلال منظور واشنطن أو منظور وول ستريت، ولكن أيضا من منظور الشارع في الولايات المتحدة. وفي الواقع فان البنوك الاحتياطية الأمريكية وفروعها لها جذور عميقة في المجتمعات المحلية في البلاد وتقوم بعمل جيد جدا هناك، حيث قاموا بمساعدة المنظمات المتخصصة في التخفيف من حالات حجز العقارات وعملوا مع المنظمات غير الربحية للمساعدة على استقرار الأحياء المتضررة من ارتفاع معدلات حجز الرهونات. وهؤلاء (فضلا عن مجلس الاحتياطي الفدرالي) من المشاركين في التعليم المالي والاقتصادي، عملوا على مساعدة الناس على اتخاذ قرارات مالية أفضل من خلال تحسين فهم الكيفية التي يعمل بها الاقتصاد.


وقد تم إخبار الجميع أن إجراءات الاحتياطي الفدرالي، بالاشتراك مع واضعي السياسات الآخرين في الداخل والخارج، قد ساعدت على استعادة الاستقرار المالي، وانتشال الاقتصاد من حافة الهاوية. وبسبب برامج الاحتياطي الفدرالي تمكن مشتري السيارات من الحصول على قروض لا يمكنهم الحصول عليها، كما تمكن طلبة الكليات من تمويل تعليمهم عن طريق ائتمان لم يكن بإمكانهم الحصول عليه، كما حصل مشترو المنازل على قروض عقارية بشروط معقولة أي بشروط لم يكن باستطاعتهم الحصول عليها بدون ذلك، ولقد ساعدت هذه التحسينات في شروط الائتمان بدورها في دعم الانتعاش الاقتصادي على نطاق واسع.


بالنسبة للسؤال الثالث: هل ستؤدي إجراءات الاحتياطي الفدرالي إلى ارتفاع معدلات التضخم على في المستقبل؟ أجاب برنانكي بأن نطاق وحجم أعمال الاحتياطي الفدرالي، وإن كانت ضرورية ومفيدة في رأيه، قد تركت البعض يشعر بعدم الارتياح. على كل حال، ذلك إن عمليات شراء الأصول والقروض قد تسببت في تزايد ميزانية الاحتياطي الفدرالي لأكثر من الضعف، من أقل من 900 مليار دولار قبل بدء الأزمة، إلى نحو 2.2 تريليون دولارا اليوم. وقد أدى التوسع غير المسبوق في الميزانية ومعدل الفائدة (لمدة ليلة) القريب من الصفر إلى إثارة السؤال الأكثر تداولا وهو هل ستؤدي إجراءات الاحتياطي الفيدرالي للسيطرة على الأزمة إلى ارتفاع معدل التضخم في المستقبل في الولايات المتحدة؟


إن الجواب من وجهة نظر برنانكي هو بالنفي؛ فالاحتياطي الفدرالي ملتزم بإبقاء التضخم منخفضا وسوف يكون قادرا على القيام بذلك، وفي المدى القريب، فان البطالة المرتفعة وتوقعات التضخم المستقرة ينبغي أن تساعد على إبقاء التضخم تحت السيطرة، وبالفعل، يمكن أن يتحرك التضخم نحو الانخفاض. ولكن، مع مرور الوقت ومع تعزز الانتعاش، سوف يصبح الوقت مناسبا للبدء في سحب أرصدة التحفيز النقدي التي لم يسبق لها مثيل والتي قام بضخها الاحتياطي الفدرالي، والتي ساعدت على دعم النشاط الاقتصادي في الاقتصاد الأمريكي، ولهذا السبب، لا زال الاحتياطي الفدرالي يمعن التفكير في إستراتيجيته للخروج من حزمة التحفيز النقدي هذه. ويقول برنانكي إنه على ثقة بأن لدي الاحتياطي الفدرالي كل الأدوات اللازمة لسحب أرصدة التحفيز النقدية في الوقت المناسب والفعال.


وفي الواقع فإن ميزانية الاحتياطي الفدرالي قد بدأت في الانضباط، وذلك لأن تحسن الأوضاع المالية يؤدي إلى انخفاض كبير في استخدام التسهيلات الائتمانية التي يقدمها، كما سوف تتقلص ميزانية الاحتياطي الفدرالي مع مرور الوقت مع إعادة سداد السندات المدعومة بالرهن العقاري وغيرها من الأصول مع حلول مواعيد استحقاقها، أو من خلال السداد المسبق لها، ومع ذلك، حتى لو ظلت ميزانية الاحتياطي الفدرالي كبيرة لفترة من الزمن، فإنه سوف كون قادرا على رفع معدل الفائدة الأجل المستهدف في الأجل القصير، وهو السعر الذي تتقاضاه البنوك على القروض لبعضها البعض لمدة ليلة، وبالتالي تشديد الأوضاع المالية بشكل مناسب.


وعمليا، هناك أداة هامة لتعديل وضع السياسة النقدية وهي السلطة الممنوحة للاحتياطي الفدرالي من قبل الكونغرس في العام الماضي، لدفع فوائد للمصارف على الأرصدة التي يتم الاحتفاظ بها في الاحتياطي الفدرالي، وعندما يحين الوقت لزيادة معدل الفائدة قصير الأجل، وبالتالي تشديد السياسة النقدية، يمكن للاحتياطي الفدرالي أن يفعل ذلك من خلال رفع معدل الفائدة التي يدفعها على أرصدة البنوك لديه. وهنا لن تكون هذه البنوك مستعدة لتقديم قروض لبعضها البعض لمدة ليلة بمعدل أقل من المعدل الذي يمكنهم الحصول عليه بصورة خالية من المخاطر من بنك الاحتياطي الفيدرالي، ومن ثم فإن الفائدة التي الذي يدفعه الاحتياطي الفدرالي على أرصدة البنوك سوف يميل إلى وضع أرضية اقل من المعدل المستهدف للقروض لمدة ليلة وغيرها من معدلات الفائدة قصيرة الأجل.


ويمكن وضع ضغوط صعودية على أسعار الفائدة القصيرة الأجل عن طريق اتخاذ تدابير للحد من المعروض من الأموال المتاحة للبنوك لإقراض بعضها البعض. ولدى الاحتياطي الفدرالي عدد من الأدوات لتحقيق ذلك. على سبيل المثال، من خلال استخدام التمويل القصير الأجل المعروف باسم اتفاقات إعادة الشراء العكسية، كما يمكنه التدخل مباشرة للحد من كمية الاحتياطيات التي تحتفظ بها البنوك من خلال دفع معدلات أعلى للفائدة تساعد على حجز هذه الأموال في حسابات طويلة الأجل لديه، ومن ثم جعل هذه الأموال غير متاحة لعمليات الإقراض في سوق الإقراض لمدة ليلة، وإذا لزم الأمر، فإن لدى الاحتياطي الفدرالي دائما خيار تقليص حجم ميزانيته عن طريق بيع بعض مقتنياته من الأوراق المالية في السوق المفتوحة.


وكما هو الحال دائما، فإن التحدي الأكثر صعوبة للجنة السوق المفتوحة الفدرالية لن يكون ابتكار الوسائل الفنية لتصفية أرصدة التحفيز النقدي، وبدلا من ذلك، فإنه التحدي الذي يواجه البنوك المركزية في كل انتعاش اقتصادي، هو تحديد أفضل وقت لتشديد السياسة النقدية، وبسبب أن السياسة النقدية تؤثر على الاقتصاد بفترات تأخير، سوف يحتاج الاحتياطي الفدرالي إلى أن يبني قراره على أفضل توقع للكيفية التي سينمو بها الاقتصاد. وبشكل عام يتوقع حاليا أن يبقى التضخم تحت السيطرة لبعض الوقت. كما أن برنانكي يؤكد بأن توقعات التضخم طويلة الأجل تبدو مستقرة، ومع ذلك، فإن الاحتياطي الفدرالي سوف يراقب عن كثب مخاطر التضخم وسوف يقوم بكل ما هو ضروري لتحقيق مستهدفاته حول تعزيز استقرار الأسعار وتحقيق أقصى قدر من التوظف.


بالنسبة للسؤال الهام حول كيفية تجنب حدوث أزمة مماثلة في المستقبل؟ يقول برنانكي، كما نقوم نحن في الاحتياطي الفدرالي وغيرنا بالبناء على التقدم الذي تم إحرازه نحو تأمين إحداث انتعاش اقتصادي مستدام مع استقرار الأسعار، يجب علينا أيضا أن نواصل معالجة نقاط الضعف التي أدت إلى الأزمة الراهنة، وبالتالي، فإن السؤال الأخير هو: كيف يمكننا تجنب حدوث أزمة مماثلة في المستقبل؟


على الرغم من أن مصادر هذه الأزمة كانت معقدة للغاية ومتعددة، فإن أحد الأسباب الجوهرية هو أن العديد من الشركات المالية، ببساطة، لا تقدر حجم المخاطر التي تتحملها. حيث كانت نظم إدارة المخاطر غير كافية ورؤوس الأموال والسيولة غير مناسبة.، وللأسف الشديد لا الشركات ولا المنظمين قاموا بتحديد وعلاج الكثير من نقاط الضعف بالسرعة الكافية، وبالتالي يجب على جميع المنظمين الماليين، بما في ذلك الاحتياطي الفدرالي، إجراء تقييم ذاتي قاسي. فقد قام الاحتياطي الفدرالي باستعراض مكثف لأدائه ثم انتقل إلى تعزيز قدراته في الرقابة على المصارف، كما قام بالتعاون مع الوكالات الأخرى، وهو يقوم حاليا بتشديد الأنظمة المصرفية للمساعدة على كبح الإفراط في تحمل المخاطر، وتعزيز قدرة البنوك على تحمل الضغط المالي. على سبيل المثال ، كان الاحتياطي الفدرالي من بين قادة الجهود الدولية في السعي، من خلال منظمات مثل لجنة بازل للرقابة على البنوك ، لزيادة كميات رأس المال والسيولة التي يتعين على البنوك الاحتفاظ بها، وفي الداخل يعمل الاحتياطي الفدرالي على تطبيق المعايير التي تتطلب من المؤسسات المصرفية اعتماد سياسات أجور تربط بين الأجر وأداء المؤسسات على الأجل الطويل وتجنب تشجيع الإفراط في تحمل المخاطرة.


لقد تمت الإشارة إلى برنامج الإشراف على تقييم رؤوس الأموال، والمعروف باسم اختبارات الضغط، ويقوم الاحتياطي الفدرالي بتطبيق الدروس المستفادة من تلك العملية لإعادة توجيه نهجه في الإشراف على المؤسسات المصرفية الكبيرة والمتشابكة والتي تعتبر حاسمة بالنسبة لاستقرار النظام المالي. وهو يتبنى منهجا أكثر تدبرا على المستوى الكلي، على وجه الخصوص، أي نهج يتجاوز التركيز التقليدي للمشرفين على صحة المؤسسات الفردية ويمحص العلاقات المتبادلة بين الشركات والأسواق ليتوقع بشكل أفضل مصادر العدوى المالية. ولكي يتحقق ذلك فإنه يقوم بتوسيع برامج استخدام فحوصات آنية ومقارنة عبر الشركات والتي اعتاد أن تؤدي إلى الأثر الجيد الذي تحقق في برنامج اختبارات الضغط. إن قدرة الاحتياطي الفدرالي على رسم النظم المناسبة باستخدام الاقتصاديين وخبراء السوق، والمحاسبين، والمحامين، بالإضافة إلى مراقبي البنوك، كان أمرا أساسيا لنجاح برنامج اختبارات الضغط، وسوف يكون إتباع المنهج متعدد التخصصات سمة أساسية من سمات إشراف الاحتياطي الفدرالي في المستقبل. على سبيل المثال ، يقوم الاحتياطي الفدرالي نقوم باستكمال فحوصاته التقليدية في الموقع ببرامج مكثفة للمراقبة خارج الموقع، والتي في ظلها تقوم فرق متعددة التخصصات بمزج المعلومات الإشرافية، وتحليل البيانات الخاصة بشركات محددة، بالإضافة إلى المؤشرات القائمة على آليات السوق لتحديد المشاكل التي قد تؤثر على واحد أو أكثر من المؤسسات المصرفية.


وعلى الرغم من أن المنظمين يمكنهم أن يفعلوا الكثير لتحسين الرقابة المالية، فإن الكونجرس يجب أيضا أن يعمل على إصلاح الفجوات ونقاط الضعف في الهيكل التنظيمي، وللقيام بذلك، لا بد من التعامل مع هذه المشكلة الخطيرة جدا التي تتمثل في الشركات التي ينظر إليها على أنها "أكبر من ان تسقط". فلا ينبغي لأي شركة بحكم حجمها أو تعقيدها أن تبقي النظام المالي والاقتصاد، أو دافع الضرائب الأميركي رهينة. وللقضاء على هذا الاحتمال، فإن الاحتياطي الفدرالي يحتاج إلى عدد من الخطوات المهمة التي حددها برنانكي في الآتي.


أولا ، ينبغي أن تخضع كل المؤسسات المالية المهمة، وليس البنوك فقط، لرقابة قوية وشاملة وعلى أساس موحد، أو على مستوى الشركة ككل. وهذه المؤسسات يجب أن تخضع لأشد متطلبات رأس المال والسيولة وإدارة المخاطر ومتطلبات الإدارة من الشركات الأخرى على السواء للحد من فرص الفشل، وإزالة حوافز النمو التي تهدف إلى أن ينظر إليها على أنها "أكبر من أن تسقط". فلم تخضع "المجموعة الأمريكية الدولية"، شركة تأمين، ولا "بير ستيرنز"، وهي شركة استثمار، لإشراف موحد وقوي، والاحتياطي الفدرالي، وهو الجهة المنظمة للشركات المصرفية القابضة، يقوم فعليا بالإشراف على العديد من المؤسسات الأكبر والأكثر تعقيدا في العالم. تلك التجربة، جنبا إلى جنب مع المعرفة الواسعة بالأسواق المالية، تجعل من الاحتياطي الفدرالي الأنسب تماما ليلعب دور المشرف الموحد لمؤسسات هامة في النظم غير المصرفية أيضا. بالإضافة إلى ذلك، فإن مشاركة الاحتياطي الفدرالي في الإشراف هو أمر حاسم لضمان أن يكون لديه الخبرة اللازمة والمعلومات والسلطات لتنفيذ مستهدفاته الأساسية لتعزيز الاستقرار المالي وتصميم السياسة النقدية.


ثانيا ، عندما تقترب مؤسسة هامة من السقوط، يجب أن يكون لدى صانعي السياسات الحكومية فكرة مختلفة عن خيار الإنقاذ أو الإفلاس غير المنظم الذي يمكن أن يؤدي إلى تحطيم الثقة (مثلما حدث في حالة بنك ليمان براذرز). وينبغي على الكونجرس أن ينشئ نظاما جديدا لحل الشركات مشابه للنظام المستخدم حاليا بواسطة اللجنة الفدرالية للتأمين على الودائع للبنوك التي تفلس، والذي من شأنه أن يسمح للحكومة بإغلاق شركة مضطربة ذات أهمية في النظام وبطريقة تحمي الاستقرار المالي، وبما يفرض أيضا على حملة أسهم ودائني الشركة التي فشلت تحمل الخسائر بدون أن يفرض ذلك أي تكاليف على دافعي الضرائب. إن فرض الخسائر على دائني الشركات المضطربة، من شأنه أن يساعد على حل مشكلة الشركات "الأكبر من أن تسقط" عن طريق إعادة انضباط السوق وتسوية أرض الملعب لشركات أصغر، مع التقليل من الآثار المدمرة للفشل على النظام المالي والاقتصاد.


ثالثا إن الهيكل التنظيمي للاحتياطي الفدرالي يتطلب إيجاد آلية أفضل لرصد ومعالجة المخاطر الناشئة على النظام المالي ككل، وبسبب حجم وتنوع وتعقيد النظام المالي الأمريكي، فإن المهمة قد تتجاوز قدرة أي جهاز على حده. ولذلك يؤيد الاحتياطي الفدرالي إنشاء مجلس للرقابة النظامية، الذي يتألف من المنظمين الماليين الرئيسيين لتحديد التطورات التي قد تفرض مخاطر نظامية، ويوصي بإتباع مناهج للتعامل معها وتنسيق ردود المؤسسات الأعضاء.


الخلاصة


يلخص بن برنانكي إجابته بقوله، في خريف العام الماضي واجهت الولايات المتحدة ، بل والعالم أجمع، أزمة مالية ذات حجم لم تشهده لعدة أجيال، وقد ساعدت الإجراءات المتضافرة من جانب الاحتياطي الفدرالي وغيرها من صناع القرار في الولايات المتحدة وفي الخارج على تجنب أسوأ النتائج، ومع ذلك ، فإن هذا الاضطراب وجه ضربة قاسية لاقتصاد الولايات المتحدة والذي بدأ في الآونة الأخيرة فقط في التعافي منها، ويقدم التحسن في الأوضاع المالية هذه السنة، واستئناف النمو من خلال الصيف هذا العام الأمل في توقع استمرار الانتعاش في العام الجديد. لكن رياحا معاكسة كبيرة ما زالت قائمة، بما في ذلك تشديد أوضاع الائتمان وضعف سوق العمل.


وقد كان الاحتياطي الفدرالي صارما في جهوده لتحقيق الاستقرار في النظام المالي الأمريكي ودعم النشاط الاقتصادي، ومع ذلك فعند نقطة ما سوف يحتاج إلى إرخاء سياسات التكيف التي يتبعها حاليا لتجنب ارتفاع معدل التضخم في المستقبل. ويرى برنانكي أنه واثق أن لدي الاحتياطي الفدرالي من الأدوات والالتزام بإجراء هذا التعديل عند الحاجة إليه، وبطريقة تتفق مع مستهدفاته في تعزيز فرص التوظف واستقرار الأسعار.


وفي غضون ذلك، يجب أن يتحسن أداء الشركات المالية في إدارة مخاطر أعمالها، كما أن المنظمين، بما فيهم الاحتياطي الفدرالي، يجب أن يستكملوا جهودهم الحالية الشاملة لإصلاح نظم الإشراف والرقابة، ويجب على الكونغرس ان يمضي قدما في تحقيق التغييرات المطلوبة في نظم الرقابة المالية الخاصة به لتفادي حدوث أزمة مماثلة في المستقبل. على وجه الخصوص ، يجب إيجاد حل لمشكلة "الشركات الأكبر من أن تسقط".


باختصار، لقد قطع الاقتصاد الأمريكي شوطا طويلا من بدء أحلك فترات الأزمة، ولكن ما زال أمامه بعض المسافة لكي يقطعها، وفي خضم أصعب أيام أكتوبر 2008 ، قال برنانكي في خطاب له "أنني واثق من أن الاقتصاد الأميركي ، بما له من حيوية كبيرة وجوهرية ، سوف يخرج من هذه الفترة بفعالية جديدة" وما زلت على نفس الثقة اليوم.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق