هذا هو نص المحاضرة التي القيتها في ندوة تداعيات الازمة المالية على دولة الكويت التي نظمتها مجلة العلوم الاجتماعية، يوم 18/11/2009. النص منقول عن التسجيل الذي تم للمحاضرة.
السلام عليكم وأهلا وسهلا بكم في ندوة تداعيات الأزمة المالية الدولية على الاقتصاد الكويتي ونشكر الدكتورة طيبة العصفور ومجلة العلوم الاجتماعية التي أتاحت لنا الفرصة لحضور هذه الندوة و المشاركة فيها، ومن منطلق أيضا تقديم الجديد الذي أشارت إليه د. طيبة، إن موضوع الندوة هو تداعيات الأزمة على دولة الكويت و آثار الأزمة على القطاع النفطي والقطاع المالي وقد خصص لي بند فيها هو أثر الأزمة على القطاع النفطي.
أثر الأزمة على القطاع النفطي عندما أتحدث فيه أجد أنني سأكرر فيه كلاما معلوما لدى الجميع، لهذا السبب اقترحت بالبدء بالحديث عن الجديد في الأزمة، الجديد بالنسبة للأزمة الاقتصادية هو هل بدأ العالم بالفعل يتعافى من هذه الأزمة، لأنه نقطة الانطلاق أو التعافي من الأزمة في الكويت مرتبطة بالتعافي دوليا ً أو عالمياً، نحن في الكويت اقتصاد صغير ومفتوح بدرجة كبيرة جــداً علــى العـالم الخـارجي، و من المعلوم في الاقتصاد المفتوح إن الأزمات أو الدورات التي تحدث فيه مرتبطة أساساً بالدورات الخارجية، فعندما يحدث تعاف أو استعادة نشاط اقتصادي في الخارج، سوف يحدث بالتبعية التعافي أو استعادة النشاط الاقتصادي في الكويت.
ما هو المقصود بالتعافي من الأزمة أو الخروج من الأزمة؟ الإجابة هي بدء استعادة النشاط الاقتصادي لمستويات ما قبل الأزمة، أو بمعنى آخر بدء معدلات النمو في الناتج الحقيقي بالارتفاع، وعندما يأخذ معدل النمو في الناتج الحقيقي في الارتفاع، تبدأ مستويات التوظيف ترتفع ومستويات البطالة تقل، و يأخذ الاقتصاد في العودة مرة أخرى في عجلة دورانه الطبيعي قبل الأزمة.
ولكن السؤال المهم هو كيف يخرج الاقتصاد من الأزمة؟ هناك عدة أشكال للخروج من الأزمة، فالأزمة معناها انحسار سريع في مستويات النشاط الاقتصادي أو انخفاض كبير في معدلات نمو الناتج المحلي الحقيقي، يتبعها كما نعلم ارتفاع في معدلات البطالة وانخفاض في مستويات الدخول وغيرها من قائمة الآثار السلبية التي تنشأ بعد حدوث أي أزمة .
إن استعادة النشاط الاقتصادي يمكن أن تأخذ عدة أشكال، أول هذه الأشكال هو ما يسمى باستعادة النشاط الاقتصادي على شكل حرف(V) . ماذا يقصد بذلك؟ هو انحسار سريع في معدلات النمو الاقتصادي ثم أيضاً استعادة سريعة في النشاط الاقتصادي، أو بمعنى آخر هو خروج سريع من الأزمة، وهو أحد أشكال خروج النشاط الاقتصادي من الأزمة الاقتصادية. أو قد يكون تراجع النشاط الاقتصادي على شكل حرف (W)، وهذا ما يسمونهDouble dip أي التراجع المزدوج، بمعنى آخر يخرج الاقتصاد من الأزمة على شكل حرف (V) أولاً ثم تحدث انتكاسة أو انحسار مرة أخرى في النشاط الاقتصادي أي على شكل حرف(V) مرة ثانية، ومن ثم يكتمل شكل حرف(W) ، فيصبح تراجع مزدوج في النشاط الاقتصادي وهو شيء سيء.
ومن الأمثلة على استعادة النشاط على شكل حرف (V) ما حدث في انحسار أو أزمة 1973 -1975 الناجمة عن ارتفاع أسعار النفط بعد الحرب العربية الإسرائيلية، وهو ما أدى إلى حدوث كساد في الولايات المتحدة الأمريكية أي انحسار في معدلات النمو ثم عودة سريعة مرة أخرى في مستويات النشاط وهذا ما يمثل حرف (V) الذي نقصده. وكمثال على الخروج من الأزمة الاقتصادية على شكل حرف (W) هو أن يحدث تعاف أولي ثم يستعيد النشاط الاقتصادي مستوياته قبل الأزمة، ثم تحدث انتكاسة أخرى ويكون هناك تراجع مزدوج، أي تراجع النشاط الاقتصادي مرتينDouble dip ، بمعنى آخر فإن خروج الاقتصاد من الأزمة في المرحلة الأولى لا يعني أن الاقتصاد تعافى من الأزمة بشكل نهائي، وتلحقه بالتالي أزمة أخرى، وهذا ما حصل في 1980-1981 أي الكساد الذي حدث في الولايات المتحدة بعد الثورة الإيرانية والحرب العراقية الإيرانية وارتفاع أسعار النفط إلى مستويات قياسية في هذا الوقت، حيث وصل سعر البرميل الى حوالي 50 دولارا في السوق الحرة، إذن هذا هو التراجع المزدوج (W).
نظريا ً أيضا يمكن أن تكون استعادة النشاط الاقتصادي على شكل حرف (U) و هنا تكون استعادة النشاط الاقتصادي أطول و أبطأ، بمعنى آخر أن قاع الأزمة يكون أطول فيأخذ النشاط الاقتصادي فترة أطول في العودة لمستوياته قبل الأزمة مرة أخرى. ويمكن أن يكون الخروج من الأزمة واستعادة النشاط الاقتصادي على شكل حرف(L) و هو أسوأ أنواع الخروج من الأزمة، وهو ما يعكس حدوث انهيار سريع مع استمرار الانهيار لفترة طويلة، أي أن الخروج مــن الأزمة ســيأخذ وقــتا أطــول وسيكون أبطأ، ومن ثم فإن الخروج من الأزمة يكون في الأجل الطويل ويظل الاقتصاد يعاني من ارتفاع مستويات البطالة وانخفاض مستويات الدخول الخ من الآثار الســلبية و السيئة للأزمة لفترة طويلة من الزمن .
معنى ذلك أنه نظريا لدينا على الأقل أربعة أشكال للخروج من الأزمة، إما على شكل حرف (V) خروج سريع، أو على شكل حرف (W) خروج من الأزمة ثم انتكاسة مرة أخرى (تراجع مزدوج)، أو على شكل حرف (U) الأزمة تأخذ بعض الوقت، أو على شكل حرف (L) الخروج من الأزمة يأخذ وقت طويلا جداً للتعافي .
ولكن ما هو شكل استعادة النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة الأمريكية حالياً، لحسن الحظ جميع المؤشرات المتاحة لدينا حاليا تشير إلى أن استعادة النشاط الاقتصادي فيها تسير على شكل حرف (V)، ففي الربع الثالث من هذه السنة، أي في شهر أكتوبر الماضي أعلن مكتب التحليل الاقتصادي في الولايات المتحدة الأمريكية أن الناتج الحقيقي تزايد بحوالي 2.8%، على أساس سنوي. معنى ذلك أن الولايات المتحدة بدأت تخرج من الأزمة، وأخذ النشاط الاقتصادي ينمو بمعدلات موجبة، وإذا استمرت مؤشرات النمو فيها على هذا النحو، فقد يكون هناك خروجا سريعا من الأزمة، وربما تشهد أعوام 2010 – 2011 انتهاء الأزمة المالية في الولايات المتحدة .
وفيما يتعلق بالمؤشرات المالية، لأن القطاع المالي بالذات يحتل أهمية حيوية في هذه الأزمة، باعتبار أن هذه الأزمة هي أساساً أزمة مالية ثم تحولت بعد ذلك إلى أزمة اقتصادية، بمعنى آخر أن الآثار التي نشأت في سوق المال انتقلت بعد ذلك إلى الاقتصاد الحقيقي في صورة انخفاض مستويات الدخل والناتج وارتفاع معدلات البطالة وغيرها. أيضا مرة أخرى المؤشرات تشير إلى أنه ربما سيكون الخروج الحالي من الأزمة الاقتصادية على شكل حرف (V)، فمؤشر الأوضاع المالية في الولايات المتحدة الأمريكية يسير أيضا على شكل حرف (V)، وقد كان في أدنى مستوياته وقت انهيار بنك Lehman Brothers ، وهو الذي أشعل فتيل الأزمة في العالم وكان خطأ جسيما لإدارة الرئيس بوش بأن سمحت لهذا البنك الضخم بأن ينهار، مما أدى إلى هذه الأزمة التي انتقلت إلى باقي دول العالم، و خسرت الولايات المتحدة تريليونات الدولارات بسبب رفض الإدارة الأمريكية مساعدة البنك بعدة مليارات، فكانت النتيجة خسائر بالتريليونات، وهذا خطأ جسيم للإدارة الأمريكية. إذن هناك خروج من الأزمة الاقتصادية الحالية على شكل حرف (V) وهذه أخبارا جيدة، أي أن هناك استعادة سريعة في مستويات النشاط الاقتصادي ومن ثم الخروج من الأزمة.
ولكن لماذا عندما نتحدث عن الخروج من الأزمة نركز أساساً على الولايات المتحدة الأمريكية؟ من المعروف أن اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية هو اقتصاد المفتاح للعالم Key Economy، بمعنى آخر أن الأزمات الاقتصادية في العالم تبدأ في الولايات المتحدة الأمريكية والأزمات الاقتصادية في العالم تنتهي عندما تخرج الولايات المتحدة من الأزمة، معنى ذلك أن هذا الاقتصاد و تطور الأوضاع الاقتصادية فيه هو دائما محط أنظار العالم، وعندما نفكر في متى سيخرج العالم من الأزمة لابد وأن ننتظر أن يخرج الاقتصاد الأمريكي من الأزمة أولاً، لأنه ليس هناك اقتصاد في العالم مؤهل لأن يقود عملية استعادة النشاط الاقتصادي في العالم سوى الولايات المتحدة الأمريكية، ولا توجد قوى اقتصادية حاليا في العالم يمكنها أن تقود عملية صناعة استعادة النشاط الاقتصادي مرة أخرى سوى الولايات المتحدة، فالولايات المتحدة، كما هو معلوم ذات ناتج محلي ضخم 14.3 تريليون دولارا، وهذا الرقــم عـن الناتج في تاريخ 28 /10/ 2009، وحجم استهلاكي ضخم جدا ً، بمعنى أن كل العالم يقوم بالصنع لهذه الدولة، حجم التجارة الخارجية للولايات المتحدة ضخم جداً، ولحسن الحظ هناك عـجزا كبيرا فــي المـيزان التجاري لها، وهذا العجز يساعد دول أخرى في آسيا مثل الصين من أن تستفيد من هذا السوق المفتوح من خلال حجم الواردات الضخم جدا ً، فضلا عن ذلك تمتلك الولايات المتحدة سوقا ماليا ضخما، ذو ارتباط كبير بالأسواق المالية العالمية، وبالتالي نقول بأنه لن يخرج العالم من الأزمة قبل أن تخرج الولايات المتحدة الأمريكية منها.
وكما قلت بأنه على الرغم من نمو بعض المراكز الاقتصادية في العالم حاليا ً، والتي بدأت تأخذ وضعها على الخريطة الاقتصادية العالمية مثل الصين ودول ناشئة أخرى، لكن هذه الدول لم تصل بعد إلى المستوى الذي يمكن أن تحل فيه محل الولايات المتحدة الأمريكية. على سبيل المثال المؤشرات الأساسية عن الإنفاق الكلي في الصين تشير إلى أنها لا يمكن أن تقود عملية استعادة النشاط الاقتصادي في العالم، على الرغم من أن حجم الناتج يتزايد بشكل كبير، وحجم السكان الضخم جداً في الصين وأيضاً السوق الكبير، لكن الاستهلاك الصيني لـ 1.3 مليار نسمة يمثل أقل من 20% من الاستهلاك في الولايات المتحدة، أي أن الإنفاق الاستهلاكي به يمثل رقما صغيرا بالنسبة إلى المقاييس الأمريكية، كما يمثل أيضا نصف استهلاك اليابان، وربع استهلاك أوروبا، معنى ذلك أن الإنفاق الاستهلاكي الصيني لا يجدي نفعاً لقيادة عملية استعادة النشاط الاقتصادي العالمي، لابد للصين من حجم إنفاق ضخم جداً يكفي لتدوير عجلة النشاط الاقتصادي في العالم حتى تحل الصين محل الولايات المتحدة. الميزة الأساسية للصين هي في قطاعها الخارجي أو في مجال التجارة الخارجية، باعتبارها أكبر دولة صاحبة فائض تجاري في العالم، وهذا مصدر قوة للصين، كما أن باقي أشكال الإنفاق مثل الاستهلاك الخاص والاتفاق العام تمثل مستويات ضعيفة لا تؤهل الصين لأن تلعب دور قائد استعادة النشاط الاقتصادي العالمي.
إذن إذا كانت هذه هي الأوضاع في الولايات المتحدة حاليا ً، فإن جميع المؤشرات تشير أنه ربما سيكون هناك خروج سريع من الأزمة .
ولكن هناك سؤالا مهما أيضا وهو ما هي أشكال استعادة النشاط الاقتصادي خارج الولايات المتحدة؟ على سبيل المثال الاتحاد الأوربي. في الاتحاد الأوروبي معدل النمو حاليا ً أصبح موجبا و لكنها لازالت صغيرة جداً، فمعدل النمو في منطقة اليورو (16 دولة) لا يتجاوز 0.4% في الربع الثالث من هذا العام، معنى ذلك أنه إذا استمرت الأوضاع في هذا النحو سيكون معدل النمو السنوي 1.6%، وهو معــدل نــمو منخفض، ولأن الاقتصاد الأوروبي من الاقتصاديات التي تأثرت بشكل كبير جداً نتيجة للازمة فإن الاتحاد الأوروبي (27 دولة) معدل النمو فيه بطيء أيضا، حيث بلغ معدل نمو الاتحاد الأوروبي في الربع الثالث 0.2% فقط، و لو استمر النمو على هذا المنوال سيكون معدل النمو السنوي 0.8% أي أقل من 1%. ومع ذلك فهناك نمو موجب وأنه على الرغم من معدل النمو الضعيف في أوروبا، نستطيع أن نقول أن الاتحاد الأوروبي بدأ يخــرج من الأزمة وأن كانت هناك اقتصاديات تـعاني من مــشاكل مثــل اســبانيا واليونان والمملكة المتحدة.
ولكن ماذا عن آسيا؟ إن النمو في آسيا مبهر، حيث لم تتأثر مستويات النمو في الاقتصاديات الآسيوية بشكل كبير مثلما حدث في أوروبا أو في الولايات المتحدة الأمريكية بعد الأزمة، ولكن كما قلنا مشكلة آسيا أنها اقتصاديات صغيرة وبحجمها الحالي لا يمكن أن يعول عليها في قيادة استعادة النشاط الاقتصادي في العالم.
هذا عرض مختصر لكيفية استعادة مستويات النشاط الاقتصادي في العالم وفي كل مرة عندما ننظر إلى كل دولة سنجد أن استعادة النشاط الاقتصادي تسير على شكل حرف (V) تقريباً.
باختصار الولايات المتحدة معدل النمو فيها 2.8%، واليابان أيــضاً مــعدل الــنمو فيها موجب، كما أن النمو مرتفع في تايلاند والهند وجنوب كوريا وتايوان حيث خرجت مجموعة الدول الآسيوية الناشئة من الأزمة منذ أشهر. أوروبا كما قلنا أداءها ضعيف في استعادة النشاط الاقتصادي، فالمملكة المتحدة لم تخرج حالياً من الكساد و ألمانيا تقود استعادة النشاط الاقتصادي في أوروبا، وهناك تحسن في معدلات النمو في فرنسا وكذلك في إيطاليا، إلا أن معدلات النمو في اسبانيا وأيرلندا ما زالت سالبة، وهي من أكثر الدول التي تأثرت بالأزمة. وبمعنى آخر المؤشرات حتى الآن مؤشرات إيجابية أو مشجعة وتوحي بأن العالم مستعد أن يخرج من هذه الأزمة الطاحنة التي تعرض لها وفي غضون فترة زمنية قصيرة.
وهناك ما نسميه الرقم المركب للمؤشرات السباقة Leading indicator، ما ذا يعني المؤشر السباق؟ هو مؤشر يدل على تطور الأوضاع الاقتصادية في الدول على نحو يسبق هذا التطور بالفعل، فعندما يأخذ هذا المؤشر في التراجع فإن هذا معناه أن الأوضاع الاقتصادية في هذه الدول سوف تسوء لاحقاً، وعندما يأخذ هذا المؤشر في التصاعد هذا معناه أن الأوضاع الاقتصادية في الدول سوف تتحسن لاحقاً، إذن يتوقع مع تحسن هذا المؤشر أن تتحسن الأوضاع في المستقبل وعندما ينحدر هذا المؤشر تنحدر و تسوء الأوضاع أيضاً في المستقبل و هذا ما نقصد به المؤشر السباق. ومن الواضح مرة أخرى أن تطور المؤشر السباق للنشاط الاقتصادي في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يأخذ شكل حرف (V) .
ولكن إذا كان العالم سيستعيد النشاط الاقتصادي على شكل حرف (V) فهل هناك من عقبات تواجه هذه الاستعادة في الولايات المتحدة بالذات؟ الإجابة هي نعم هناك عقبات كثيرة أهمها معدل البطالة المرتفع، وهنا سأتكلم بنوع من التفصيل عن التغيرات التي تحدث في دول العالم، الدول الوحيدة التي كانت فيها معدلات البطالة منخفضة إلى حد ما هي دول آسيا، أما باقي دول العالم بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية فإن معدلات البطالة فيها مرتفعة للغاية والكساد الحالي هناك من يطلق عليه بالكساد الذي ارتفعت فيه معدلا البطالة لمستويات قياسية وذلك مقارنة بسبعين سنة ماضية، لم يتعرض الاقتصاد الأمريكي إلى هذه المستويات المرتفعة جدا للبطالة. إن التعريف الرسمي للبطالة في الولايات المتحدة هو ما يعرف بـ U3 أي عدد العمال المحبطين لم يجدوا عمل والعمال الذين هم في حالة بطالة لمدة أربعة أسابيع، ويصل حالياً معدل البطالة U3 إلى 10.2%، و هذا هو معدل البطالة الرسمي في الولايات المتحدة الأمريكية ، لكن هناك تعريفات أخرى للبطالة في الولايات المتحدة ومنها التعريف U6 وهو تعريف أوسع للبطالة ويصل حاليا إلى حوالي 17.5 % حاليا، وهذا رقم خطير حيث لم يحدث في تاريخ الولايات المتحدة منذ الكساد العالمي الكبير أن تعرض الاقتصاد الأمريكي إلى هذا المعدل المرتفع من البطالة .
للأسف جميع الشواهد تشير أنه ربما يستمر معدل البطالة في المستقبل في الارتفاع. ولكن ما هو السبب ؟ الحقيقة أن السياسات الاقتصادية للولايات المتحدة موجهة أساسا نحو الناتج وليس للبطالة، فهي لا تتعامل مع البطالة بشكل مباشر، وإنما تتعامل معها بشكل غير مباشر ، وذلك من خلال محاولة تحفيز الناتج ، ومن ثم يبدأ المنتجون بقبول العمال في الوظائف وبذلك ينخفض مستوى البطالة، بعكس دول مثل ألمانيا والتي تتعامل مع البطالة بشكل مباشر.
سبق أن ذكرنا أن معدل البطالة U6 يمثل 17.5% في الولايات المتحدة وهو معدل كبير جداً و لو قارنا الوضع بعد الحرب العالمية الثانية أي منذ 1948 حتى الآن سنجد أن معدل البطالة طويل الأجل حاليا هو الأعلى خلال هذه المدة كلها ، أي أن الولايات المتحدة تواجه مشكلة بطالة كبيرة جداً، حيث أن التدهور في معدل التوظف في الكساد الحالي هو الأكبر على الإطلاق مقارنة بأي كساد آخر مرت به الولايات المتحدة .
ولكن هل يمكن أن نخرج من الكساد مع ارتفاع معدلات البطالة؟ الإجابة هي نعم يمكن ذلك بدليل أن كل حالات الكساد التي مرت في الاقتصاد الأمريكي من قبل خرج فيها الاقتصاد من الكساد ومع ذلك استمرت معدلات البطالة مرتفعة، أي أنه من الممكن أن تستمر هذه البطالة ويخرج الاقتصاد الأمريكي من الكساد، وهذا ليس غريبا على استعادة النشاط الاقتصادي، غير أن الارتفاع الحالية في معدل البطالة يقتضي من الحكومة الأمريكية أن تتخذ إجراءات أخرى لمحاولة التخفيف من آثار البطالة.
وهناك أيضا عوائق أخرى لاستعادة النشاط الاقتصادي وهي استمرار اضطراب القطاع المالي الأمريكي وبصفة خاصة ارتفاع معدلات إفلاس البنوك وحتى الأسبوع الماضي، أي بتاريخ 10/11/ 2009 تقريبا ً، بلغ عدد البنوك التي أفلست في الولايات المتحدة 123 بنكا منذ بداية هذا العام ، و يتوقع أن يصل الرقم إلى 150 بنك بنهاية العام، وهناك توقعات بأن يصل الرقم إلى 500 بنك مفلس، ولكنني أرى أن هذا التوقع قد يكون مبالغا فيه، ولكن هل إفلاس البنوك يعد مشكلة ؟ الإجابة هي لا، فكل حالات الكساد التي مر بها الاقتصاد الأمريكي سابقاً كانت معدلات الإفلاس بها عالية جداً، على سبيل المثال كساد 1990- 1991، ففي عام 1998 أفلس 540 بنكا، ومن ثم فإن معدلات الإفلاس الحالية تعتبر مقارنة بهذا الكساد معقولة، لو رجعنا إلى الكساد الكبير، ستجد أنه في عام 1933 بلغ عدد البنوك الأمريكية التي أفلست 4000 بنكا في سنة واحدة ، إذن ارتفاع معدلات الإفلاس حالياً صحيح أنه سلبي، لكن جميع حالات الكساد السابقة صاحبها ارتفاع في معدلات الإفلاس .
من الجوانب السلبية أيضاً أنه ربما تتشكل حالياً ما يسمى فقاعة أسهم أخرى في الولايات المتحدة الأمريكية، بما يعني أن أسعار الأسهم حالياً مبالغ فيها ويتوقع البعض أن يحدث انهيار آخر قريب فـــي وول ستريت ، نتيجــة ارتفاع الأســهم ، حيث أنه ومنـذ 1871 – 2009 عندما يصل معامل سعر السهم إلى توزيعات الأرباح على السهم P/E ratio إلى 20 ضعفا تحدث أزمة ولذلك يسمى معامل 20 بالمستوى الحرج، حيث أنه عندما يصل سعر السهم إلى الأرباح الخاصة بالشركات إلى 20 ضعفا يحدث انهيار في سوق المال وهذا ينطبق على كل حالات الانهيار التي حدثت قبل ذلك في الولايات المتحدة ، و للأسف حاليا ً وفي هذا العام تجاوز سعر السهم في وول ستريت الحد الحرج أي تجاوز العشرين ضعفا إذن من المتوقع حسب التجربة السابقة أن نشهد ربما انتكاسة أخرى في صورة انهيار آخر في سوق الأسهم.
من العقبات التي نواجهها أيضا ضعف الدولار الأمريكي أو فقدان الثقة فيه كعملة احتياط عالمية، لكن هذا أمر طبيعي في أوقات الأزمات. أي دولة تواجه أزمة لابد ان تميل عملتها نحــو التراجع، ومن المعروف أن معدلات الفائدة تصل حاليا في الولايات المتحدة إلى الصفر والدولار يضعف نتيجة لذلك، كما أن صانع السياسة النقدية الأمريكي لا يهتم بقيمة الدولار بقدر ما يهتم باستعادة النشاط الاقتصادي، طبعا لأن الدولار الأمريكي الضعيف ربما يفيد الاقتصاد الأمريكي في أن يخرجه من حالة عجز ميزان المدفوعات، لكن الأرقام الحديثة لميزان المدفوعات الأمريكي ليست مشجعة، وبالرغم من تدهور وانخفاض قيمة العملة ما زال هناك عجز في ميزان المدفوعات الأمريكي والذي لازال يتزايد.
وبشكل سريع نعرض العقبات الأخرى ، فبالإضافة إلى ذلك هناك العجز المالي الضخم الذي تواجهه الولايات المتحدة، وارتفاع الدين العام الذي وصل لمستويات حرجة جداً في الولايات المتحدة، والتوقعات التضخمية بسبب ما يسمى بسياسات التيسير الكمي Quantitative Easing، بمعني أن صانع السياسية بدل أن يقترض يقوم يطبع النقود فتكون النتيجة زيادة عرض النقود ومعها يحدث ارتفاع كبير في مستويات التضخم، التوقعات التضخمية حالية في الولايات المتحدة كبيرة.
الخلاصة حتى هذه اللحظة جميع المؤشرات تشير أن العالم يخرج من الأزمة على شكل حرف (V)، و لكن استعادة النشاط الاقتصادي ربما تكون هشة بسبب المشاكل التي تحدثنا عنها و أنه ربما في وقت ما يحدث انهيار آخر و يخرج العالم من الأزمة على صورة شكل حرف (W) .
ومثلما قلنا مسبقا أن اقتصاد الكويت اقتصاد مفتوح بشكل كبير على العالم، وبمعنى آخر فإن دورات الاقتصاد المفتوح الصغير ليست دورات ذاتية. أي أنه إذا حدثت أزمة في الاقتصاد المحلي فهي ليست من الاقتصاد نفسه، وإنما هي أزمة غالباً تأتي من خارج هذا الاقتصاد، وبمعنى آخر لابد أن تنتظر استعادة النشاط الاقتصادي في العالم وبصفة خاصة أن تستعيد أسعار النفط مستوياتها قبل الأزمة حتى نبدأ بالحديث عن استعادة النشاط الاقتصادي.
لكن للأسف هناك عوامل ساعدت على تعمق أثر الأزمة في الاقتصاد الكويتي أهمها السياسة المالية ـ الكويت واجــهت الأزمة المالية والاقتصادية بميزانية انكماشية، أي بسياسات تعمق من اثر الأزمة، وليس بسياسات تواجه الأزمة. من المفروض عندما تكون هناك أزمة اقتصادية لابد أن نبدأ بتوسيع مستويات الإنفــاق ونبدأ برصد أموال أكثر لتنفيذ خطط للإنفاق لنحرك بها عجلة النشاط الاقتصادي في الاقتصاد .
الذي حدث في الكويت هو أنه عندما حدثت الأزمة بدأت الكويت ترصد ميزانيات انكماشية وأخذت تخفض في مستويات الإنفاق فلم يساعد ذلك على التخفيف من آثار الأزمة، ومن ثم استعادة النشاط الاقتصادي، بل أدى إلى تعمق أثر الأزمة، وقد تحدثت كثيراً بأن هذا هو أنسب الأوقات لأن تبدأ الكويت مشروعاتها الضخمة. فعندما تبدأ الكويت في إنشاء هذه المشروعات ستتحرك عجلة النشاط الاقتصادي وتتحسن أوضاع سوق المال والعقار ونخفف إلى حد كبير من آثار هذه الأزمة .
كذلك فإن هناك دلائل تشير أن سياسة الكويت النقدية انكماشية ، فمعدل الفائدة مرتفع، ومعدل الخصم يبلغ 12 مرة ضعف معدل الخصم في الولايات المتحدة، والائتمان الموجه نحو القطاع الخاص يتراجع في الكويت، وسيولة البنوك تتزايد وهو ما يعنى أن الودائع في البنوك لا تخرج من هذه البنوك، والبنك المركزي لا يتخذ إجراءات تجعل السيولة في البنوك مكلفة لهذه البنوك، بمعنى آخر لا يجبرها بأن تقوم بفتح أبوابها أو زيادة مستويات الائتمان فيها.
الكويت أيضا، ومن الأيام الأولى للازمة أصدرت قانونا للاستقرار الاقتصادي بهدف زيادة مستوى النشاط والحد من آثار الأزمة ثم FULL STOP أي نقطة نهاية، وظل القانون حبيس الأدراج ولم يفعل القانون حتى الآن.
بالنسبة لشركات الاستثمار لابد أن يكون لدينا جرأة في التعامل مع هذه الشركات وسيقوم الأخ ميثم الشخص بالحديث بشكل مفصل وأكبر عن هذا الموضوع ، ولابد أن يكون لدينا سوق مالي يتسم بالشفافية ويكون حازم في التعامل مع الخروج على قواعد اللعبة في سوق المال، نحتاج أيضاً إلى استخدام المال العام بشكل أكبر، فالمحفظة المليارية التي أقرتها الكويت حالياً لا يتم استخدام سوى 40 % منها أو أقل.
وأخيرا وليس آخرا، المناخ السياسي غير موات في الكويت. لقد واجهت الكويت الأزمة المالية بمناخ سياسي دون المستوى المطلوب، وتأزم الأوضاع الحالية يصب في شي واحد هو تدهور الأوضاع السياسية والفرقعات التي ترونها على الساحة من وقت لآخر، لا تخدم الكويت، آسف على الإطالة و شكرا لكم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق