ترتب على الأزمة المالية العالمية صدمة كبيرة لمستويات النمو في دول العالم، بصفة خاصة الدول الصناعية، وهو ما أعاد إلى الأذهان ضرورة الاستعانة بالروشتة الكينزية في معالجة الأزمات من خلال برامج التحفيز المالي، أي تعزيز مستويات الإنفاق العام لتمويل مشروعات الأعمال العامة بهدف رفع مستويات الإنفاق ومن ثم التوظف ومعالجة مشكلة البطالة.
مؤخرا أصدرC.D. Howe Institute ورقة هامة بعنوان "تحليل التكلفة والعائد لبرامج التحفيز المالي" والتي تناقش برامج التحفيز المالي التي اتبعتها الدول الصناعية لمواجهة الأزمة. وقد احتوت الورقة على الكثير من المعلومات الهامة عن الآثار المباشرة للأزمة على الناتج وردود فعل الدول الصناعية، في صورة برامج التحفيز المالي، ومضاعفات هذه البرامج، رأيت أن أعرض على القارئ بعضا من هذه المعلومات الهامة.
أول هذه المعلومات الهامة هي أثر الأزمة على مستويات الناتج في الدول الصناعية حيث يوضح الشكل figure 6 فجوة الناتج (الفرق بين ناتج التوظف الكامل والناتج الفعلي) في الدول الصناعية خلال عامي 2009 – 2010. ومن الشكل يتضح ان أكثر الدول تأثرا هي السويد حيث بلغت فجوة الناتج أكثر من 8%، بينما بلغت فجوة الناتج في الولايات المتحدة حوالي 6%، أما أقل الدول تأثرا من حيث أثر الأزمة على الناتج فهي بولندا. ومع ذلك فإن أكثر الدول تأثرا بالصدمة كان استراليا كما يتضح من الشكل figure 7 حيث بلغت النسبة المقدرة لصدمة الأزمة العالمية إلى الناتج المحلي حوالي 12%، و10% في الولايات المتحدة، وهي نسبة جوهرية جدا، أخذا في الاعتبار الحجم الضخم للناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة. بينما أتت سويسرا في مؤخرة دول العالم الصناعي من حيث نسبة الصدمة إلى ناتجها المحلي الإجمالي والتي اقتصرت على 5%.
المعلومة الثانية المهمة هي أن دول العالم استجابة لهذه الآثار الضخمة للصدمة قد سارعت بتبني برامج للتحفيز المالي من خلال رصد الأموال لأغراض إنشاء المزيد من الأعمال العامة ومشروعات البنية التحتية بهدف تنشيط مستويات الإنفاق في الاقتصاد الوطني، وكما يتضح من الشكل figure 1، فإن الولايات المتحدة كانت اكبر دولة في العالم رصدا لأموال التحفيز المالي، والتي بلغت وفقا للشكل أعتاب نسبة الـ 6% من ناتجها المحلي الإجمالي. وقد اقر الكونجرس مؤخرا خطة إضافية للتحفيز المالي سوف ترفع هذه النسبة إلى أكثر من 7%. أكثر دول العالم اهتماما ببرامج التحفيز بعد الولايات المتحدة كانت استراليا ونيوزيلندا وكندا، أما أقل دول العالم اهتماما ببرامج التحفيز المالي فقد كانت البرتغال وفرنسا وسويسرا.
المعلومة الثالثة هي الأثر المتوقع لهذه البرامج وذلك من خلال قياس مضاعف التحفيز المالي، ويقصد بمضاعف التحفيز المالي الزيادة المضاعفة التي تحدث في الناتج المحلي الإجمالي في مقابل كل دولار يتم إنفاقه في إطار هذه البرامج. ومن الشكل يتضح أن أعلى مضاعف لبرامج التحفيز المالي هو في بولندا واستراليا واليابان، أما أقل قيمة لهذا المضاعف فهي في بلجيكا وجمهورية التشيك وهولندا. بينما تبلغ تقديرات مضاعف التحفيز المالي في الولايات المتحدة 0.6 تقريبا، أي حوالي 60 سنتا في مقابل كل دولار من الإنفاق في إطار برنامج التحفيز المالي.
المعلومة الرابعة هي عن المثبتات الذاتية في اقتصاديات الدول الصناعية، فمن المعلوم أن الدول الصناعية تزرع في اقتصادياتها ما يسمي بالمثبت الذاتي أو الأوتوماتيكي، وذلك من خلال استخدام نظم الضرائب على الدخل والدعم، بحيث تزيد الضرائب ويقل الدعم (ومن ثم يحدث فائض في الميزانية العامة لهذه الدول) في أوقات التضخم لخفض مستويات الإنفاق ومواجهة ارتفاع معدلات التضخم، وتقل الضرائب ويزيد الدعم (ومن ثم يحدث عجز في الميزانية العامة في هذه الدول) في أوقات الانكماش لمواجهة مشكلة البطالة. غير ان الشكل figure 5 يوضح ان المثبتات الذاتية في تلك الدول كانت أعجز من أن تواجه ضخامة تأثير الصدمة على الناتج المحلي الإجمالي والتوظف في تلك الدول (حيث كانت نسبة العجز في الميزانية العامة لهذه الدول منخفضة جدا كنسبة من الناتج، ولذلك لم تجد هذه الدول بدا من اللجوء إلى التحفيز المالي.
المعلومة الخامسة هي نسبة التحفيز المالي إلى إجمالي الصدمة التي أحدثتها الأزمة في الدول الصناعية. حيث رصدت نيوزيلندا وجمهورية التشيك والولايات المتحدة أموالا تقدر بأكثر من 50% من حجم الصدمة بينما لم تخصص سويسرا والبرتغال وفرنسا سوى حوالي 10% من حجم الصدمة في صورة برامج للتحفيز المالي.
المصدر:
Bev Dahlby (2009) “Once on the Lips, Forever on the Hips: A Benefit-Cost Analysis of Fiscal Stimulus
in OECD Countries” C.D. Howe Institute NO. 121, DECEMBER 2009
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق