ظاهرة الوفاة ليست ظاهرة بيولوجية فقط، وإنما أيضا اجتماعية إلى حد كبير، هذا ما تؤكده النظريات الديموجرافية الحديثة. ولظاهرة الوفاة مكونان أساسيان هما المدى العمري وهو المدة التي يمكن أن يحياها الإنسان ولما كان من المستحيل - بالطبع - أن نتنبأ بدقة لأي إنسان (فهذه مسألة بيد الله سبحانه وتعالي) بالمدى الزمني الذي يمكن أن يعيشه، فإننا يمكننا افتراض أن أطول عمر عاشه الإنسان على الأرض (وهو بالطبع رقم يتغير من وقت لآخر) هو أقصى ما يمكن أن نتوقعه لحياة أي فرد. وبالرغم من وجود ادعاءات كثيرة حول طول عمر العديد من الإفراد في مناطق العالم المختلفة، إلا أن التأكد من صحة تلك الادعاءات يعد مسألة صعبة. بسبب عدم وجود (أو فقدان) الوثائق الخاصة بتاريخ الميلاد. ويعد الياباني شيجيشيو ايزومي هو صاحب أطول عمر مسجل بالوثائق في العالم، حيث عاش لمدة 120 سنة. والمشكلة الأساسية في حساب أطول مدى زمني لحياة الإنسان هي عملية المبالغة التي دائما ما تتم حينما يوصف كبر سن بعض الإفراد، والتي غالبا ما تكون غير مدعمة بوثائق الميلاد.
أما المكون الثاني فهو طول فترة البقاء على قيد الحياة وبالنسبة لهذا المكون، يعتمد طول فترة البقاء على مجموعة متعددة من العوامل أولها العوامل البيولوجية، أي الخصائص الجينية التي ولد بها الشخص وقوة الأعضاء الحيوية مثل القلب والكبد والكلى .... والخصائص والأمراض الوراثية، وغيرها. وجميع هذه العوامل ليس للإنسان سيطرة كبيرة عليها. ويظهر أثر هذه العوامل بشكل واضح في السنة الأولى من العمر. وما إن يتجاوز الطفل السنة الأولى من حياته، فان احتمالات الوفاة تقل حتى يصل الإنسان إلى نصف عمرة تقريبا، بعد هذا الحد تبدأ احتمالات الوفاة في التزايد بشكل كبير.
المجموعة الثانية من العوامل هي العوامل الاجتماعية والمرتبطة أساسا بالبنية الاقتصادية والاجتماعية. ويقصد بالبنية الاقتصادية والاجتماعية الطريقة التي يتم بها توليد الثروة في المجتمع وتوزيعها على أفراده، وتعكس حقيقة أن الغذاء، والمسكن، والكساء المناسب، فضلا عن توافر وسائل الرعاية الصحية كلها عوامل تؤثر على احتمالات الوفاة، وطبيعة التنظيم الاجتماعي والتي قد يترتب عليها اختلاف مستويات الرعاية الصحية بين المجموعات المختلفة في المجتمع، ونمط الحياة مثال ذلك الإفراط في تناول الأطعمة الدسمة، أو الملح، أو الكحوليات، والتدخين و عدم ممارسة الرياضة وغيرها من العوامل المتصلة بنمط الحياة والتي قد تقلل من احتمالات بقاء الإنسان على قيد الحياة. كلك تلعب المكانة الاجتماعية دورا في ظاهرة الوفاة، حيث تشير الدراسات إلى أن العوامل التي تضع الفرد في مستوى اجتماعي أدنى، تزيد بالتالي من مخاطر الوفاة المبكرة لهذا الشخص، كذلك أثبتت الدراسات أنه كلما أرتفع المستوى الوظيفي للفرد كلما زادت احتمالات بقاءه على قيد الحياة وأخيرا كلما ارتفع مستوى الدخل، انخفضت معدلات الوفيات، وكذلك الحال فيما يتعلق بمستوى التعليم.
الشكل التالي يوضح العلاقة بين توقع العمر ومتوسط نصيب الفرد من الدخل في العالم. والشكل يشير إلى وجود علاقة طردية بين الدخل وتوقع العمر، على سبيل المثال فان أعلى الأشخاص في العالم من حيث العمر هو الفرد الياباني والذي يتوقع أن يعيش أكثر من 80 عاما عند ولادته، بينما يتوقع أن يعيش الشخص من زامبيا اقل من 40 عاما عند ولادته.
المصدر: http://www.cmaj.ca/content/vol181/issue5/images/large/11FF2.jpeg
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق