نشر في جريدة القبس بتاريخ الأحد 20/9/2009
تأسس بنك ليمان براذرز في عام 1850 من قبل اثنين من سماسرة القطن في مونتغمري بولاية ألاباما ثم انتقلت الشركة إلى مدينة نيويورك بعد الحرب الأهلية، ونمت بعد ذلك كواحدة من شركات وول ستريت الاستثمارية العملاقة، وقد بدأ الانهيار البطيء للبنك حينما تكشفت أزمة سوق الرهن العقاري في صيف عام 2007، حيث أخذت أسهم البنك في التراجع بشكل مطرد من ذروة بلغت 82 دولارا للسهم. هذه المخاوف استندت إلى حقيقة أنه كان لاعبا رئيسيا في سوق القروض العقارية من الدرجة الثانية Subprime، وأنه كغيره من المؤسسات المالية واجه المخاطر التي تترتب على الخسائر الكبيرة الناجمة عن الانكشاف على هذا النوع من الإقراض مرتفع المخاطر والتي يمكن أن تكون قاتلة، وعندما بدأت الأزمة تتعمق في عام 2007 وأوائل عام 2008، قاوم البنك التوقعات بإفلاسه أكثر من مرة، تماما كما حدث من قبل في عام 1998 عندما بدا متأرجحا بعد أزمة العملات في أنحاء العالم إلا أنه خرج من الأزمة قويا بعد ذلك لينتعش بقوة. كما حاول البنك تجنب مصير Bear Stearns، التي تم شراؤه من قبل J P Morgan بسعر منخفض تحت ضغط تهديد الإفلاس في مارس 2008، ولكن في صيف عام 2008 بدأت رحلة تقلبات أوضاع البنك، حيث قام البنك بسلسلة من عمليات شطب الديون والتي رافقها عروضا جديدة لزيادة رأس المال بهدف تعزيز موارده المالية.
كذلك خاض البنك حربا ناجمة عن عمليات بيع واسع لأسهم البنك، حيث اتهم البنك البائعين بأنهم يحاولون الضغط على الأسعار لكي تنخفض، من خلال ترويج شائعات تهدف إلى خفض سعر سهم البنك؛ بينما كان البائعون يردون على المنتقدين لهم بالتساؤل عما إذا كان البنك قد كشف عن الحجم الحقيقي لخسائره بالفعل حتى يمكن الحكم على الأسعار الحقيقية لأسهم البنك. ومع مرور الوقت وتزايد حجم خسائر البنك، انضم عددا متزايدا من المستثمرين إلى جانب النقاد. وفي يوم 9 يونيو2008، أعلن ليمان براذرز عن تحقيق خسارة في الربع الثاني من العام بحوالي 2.8 بليون دولار، وهي خسارة أعلى بكثير من توقعات المحللين في ذلك الوقت. وقالت الشركة أنها ستسعى لجمع مبلغ 6 مليار دولار في صورة رؤوس أموال جديدة من المستثمرين. ولكن هذه الجهود تعثرت، وبدأ موقف البنك يزداد حرجا، بصفة خاصة يوم 8 سبتمبر 2008 عندما أعلنت الحكومة الاستحواذ على عملاقي التمويل العقاري فاني ماي وفريدي ماك. وكلما هوت أسعار الأسهم في السواق تزايد التساؤل عما إذا كان هذا التحرك لإنقاذ شركتي الرهون العقارية العملاقتين جعل من غير المرجح ان يكون ليمان على قائمة الإنقاذ.
في يوم الجمعة 12 سبتمبر 2008 شاعت أخبار عن أن بنك ليمان براذرز على حافة الإفلاس، غير ان تلك الأخبار قد ظهرت على السطح يوم الأحد 14 سبتمبر، وأن البنك يسعى في البحث عن مشترى، وانه لم يظهر حتى الآن مشتري مناسب لبنك الاستثمار الذي له في مجال العمل المصرفي 158 عاما، وأن الإفلاس ربما أصبح أمرا حتميا. وكان بنك أوف أمريكا وبنك باركليز يبحثان جديا في شراء بنك ليمان براذرز، إلا أن التقارير الآتية من بورصة وول ستريت كانت متناقضة بين من يرى أن الصفقة تعد صفقة ذكية جدا لبنك أوف أمريكا، حيث رأى البعض احتمال ان يحقق بنك أوف أمريكا أرباحا ضخمة في المستقبل من عملية الاستحواذ، قدرت بحوالي 10% من إجمالي أرباح بنك أوف أمريكا سنويا. إذا أخذ في الاعتبار عملية استحواذ على بنك قوي وذو تاريخ طويل في مجال الأعمال المصرفية مثل ليمان براذرز، وخصوصا إذا ما تمت الصفقة من خلال عملية حرق سعري مثل ما يحدث أوقات الأزمة. وقد بات من الواضح ان السعر الذي سيدفع في البنك هو العامل الحاسم في إتمام الصفقة. بينما شككت تقارير أخرى فيما إذا كانت عملية الشراء تساوي حجم المخاطر الإضافية المصاحبة لذلك القرار والتي يمكن ان يتحملها بنك أوف أمريكا من جراء قرار الشراء. غير ان بنك أوف أمريكا قد بدأ يتناول بشكل أكثر دقة حجم المخاطر التي يمكن ان يتحملها من جراء الاستحواذ على ليمان براذرز. من ناحية أخرى كانت هناك محاولات لتشكيل فريق من J C Flowers وهي شركة استثمار خاصة، والصندوق السيادي الصيني China Investment Co لشراء البنك. وكانت التقارير تشير إلى أن بنك أوف أمريكا سوف يحتاج إلى تخصيص ما بين 6-8 مليار دولار لتغطية التكاليف الإضافية لتغطية الاحتياجات الرأسمالية اللازمة لدعم محفظة بنك ليمان براذرز العقارية، وتغطية بعض المواقف التجارية لبنك ليمان براذرز.
على جانب آخر كانت التحاليل تشير إلى أن مخاطر الاستحواذ على بنك ليمان براذرز تعد ضخمة جدا، حيث أن حجم القروض العقارية التي يتعرض لها البنك يمكن ان تكون مصدرا مستقبليا للمشكلات المالية لبنك أوف أمريكا. كذلك أشارت التقارير إلى عدم استعداد الاحتياطي الفدرالي إلى ضمان خسائر قروض بنك ليمان براذرز مثلما قام بذلك في صفقة استحواذ J P Morgan على Bear Stearns، وهو ما جعل من عملية شراء البنك أكثر خطورة. ولما كانت عملية إنقاذ بنك ليمان براذرز سوف تستغرق وقتا طويلا قدر بين 3 – 5 سنوات، فإنه إذا ما تعمقت أزمة العقار فان عملية شراء البنك ربما تمثل خطأ كبيرا لأي مشترى. كانت الشركة القابضة للبنك قد فقدت ما يقرب من 7 مليار دولار على مدى الأشهر الستة الماضية على نشوء أزمة البنك بسبب سوء أداء الرهونات على كل من المساكن والعقارات التجارية في الأسواق العالمية. وقد كان الكثيرون يأملون بسرعة الحصول على مشتري للبنك قبل نهاية مساء الأحد 14 سبتمبر بصفة خاصة من قبل بنك باركليز البريطاني أو بنك أوف أمريكا.
بدا من الواضح أن بنك ليمان براذرز أصبح على شفا إعلان إفلاسه، في أكبر عملية إفلاس تم إعلانها في الولايات المتحدة. إذ بدلا من الاستحواذ على ليمان براذرز غير بنك أوف أمريكا وجهته وأعلن عن دفع 50 مليار دولار للاستحواذ على ميريل لينش، في صفقة ستؤدي إلى ولادة اكبر مؤسسة مالية في العالم. بعد ساعات فقط من ظهور تقارير بأن بنك أوف أمريكا قطع المحادثات لشراء ليمان براذرز، وأنه يستعد لشراء ميريل لينش ارتفعت أسهم ميريل لينش بنسبة 33% مباشرة، في حين تراجع سهم أن بنك أوف أمريكا بنسبة 13%. وكما هو الحال بالنسبة لبنك ليمان براذرز فإن شركة ميريل لينش كانت تعاني من رهونات عقارية مضطربة، ونتيجة لذلك أخذ سعر سهم الشركة في التراجع بحوالي 27٪ في الأسبوع السابق على إعلان خبر الاستحواذ، ونحو 68٪ من قيمته منذ نهاية يونيو. وكان القلق قد تزايد في سوق المال من أن شركة ميريل لينش قد تواجه المزيد من الانخفاض في أسعار أسهمها، وأنها تحتاج إلى زيادة رأسمالها لتدعيم ميزانيتها، وذلك بعد أن حققت ميريل لينش صافي خسائر بلغت أكثر من 19 مليار دولار على مدى السنة الماضية. كما أنها قد سبق أن أعلنت عن شطب نحو 39 بليون دولار من الاستثمارات السيئة في صورة خسائر في سندات مغطاة بقروض عقارية بعد انتشار حالات التوقف عن الدفع والعجز عن السداد.
أدت هذه الأحداث إلى شيوع القلق في سوق المال، وانخفض مؤشر داو جونز الصناعي بحوالي 500 نقطة، وهو ما كان يعد وقت ذلك أكبر انخفاض منذ 7 سنوات. وقد كانت أسهم ليمان براذرز قد انخفضت بنسبة 94%، وبحلول يوم الاثنين 15/9/2009، كانت قيمة تلك الأسهم صفر تقريبا، وفشلت كافة المحادثات الخاصة بإنقاذ البنك، الذي كان يوما من الأيام من أكبر بنوك الاستثمار في الولايات المتحدة الأمريكية، وبدأ الذعر يدق الأسواق الأمريكية. ومما زاد الطين بلة أن المجموعة الدولية الأمريكية أكبر شركات التأمين في العالم، أعلنت أنها تخطط لبيع بعض الأصول المضطربة من أجل رفع مستويات السيولة لديها وتعزيز ثقة المستثمرين.
أخذت المخاوف من أزمة الائتمان في التزايد على نحو رهيب، على الرغم من أن الحكومة قد تعهدت بدعم شركتي فاني ماي وفريدي ماك بمبلغ يصل إلى 200 مليار دولار قبل أسبوع واحد فقط، كما قامت قبل أشهر بهندسة عملية شراء جي بي مورغان لشركة بير ستيرنز بضمان 29 مليار دولار. بعد ظهر يوم الأحد أعلنت عشرة مصارف تجارية واستثمارية دولية هي الأميركية "بنك أوف أميركا" و"سيتي بنك" و"غولدمان ساكس" و"جي بي مورغان تشيز" و"ميريل لينش" و"مورغان ستانلي" والبريطاني "باركليز" والألماني "دويتشه بنك" والسويسريان "كريديه سويس" و"أو بي إس" اتحاد المصارف السويسرية، تأسيس صندوق بـ سبعين مليار دولار تستطيع الاستعانة به إذا ما واجهت خطر نقص في السيولة في محاولة لاستباق الأحداث التي يمكن أن تترتب على انهيار ليمان براذرز. وقالت هذه المصارف في بيان مشترك أنها "قامت بسلسلة من الخطوات لتأمين السيولة والحد من تأثير التقلبات غير المسبوقة وغيرها من التحديات التي تواجه أسواق الإقراض". وأضافت المصارف أن كلا منها سيمول هذا الصندوق بسبعة مليارات دولار ويمكن لكل منها الحصول على ثلث المبلغ المودع فيه لتسهيل عملية الحصول على أموال عند الحاجة. من ناحية أخرى أعلن مجلس الاحتياطي الفيدرالي أنه اتخذ سلسلة تدابير من أجل تخفيف القيود المفروضة على قروضه، لدعم الأسواق تقضي بقبوله سندات واسهم تنطوي على مجازفة مرتفعة أو ما يعرف باسم "Junk Bonds" والتي يصعب بيعها من قبل المصارف مقابل إعادة تمويلها للحد من تأثير صدمة الانهيار المرجح لمصرف ليمان براذرز. وتقضي هذه التدابير بتوسيع وتكرار عمليات إعادة تمويل المصارف بما في ذلك ليمان براذرز. وقد خفف الاحتياطي الفدرالي بهذا الشكل الإجراءات اللازمة للحصول على هذه التسهيلات بعد أن كان على المصارف تقديم سندات عالية النوعية للحصول على الائتمان اللازم.
وفى 15 سبتمبر 2008 أصبح من الواضح أنه ليس هناك أي بارقة أمل في إنقاذ البنك ولذلك تم تكليف مجلس إدارة البنك بتقديم التماس في إطار الفصل رقم 11 من قانون الإفلاس من أجل حماية أصوله وتعظيم قيمتها. وأعلنت شركة ليمان براذرز القابضة أنها تعتزم تقديم عريضة في إطار الفصل 11 من قانون الإفلاس في الولايات المتحدة مع الولايات المتحدة في محكمة الإفلاس لمنطقة جنوبي نيويورك، وأن عملاء سماسرة ليمان براذرز بما في ذلك عملاء الشركة المملوكة لها بالكاملNeuberger Berman Holdings يمكنهم أن يستمروا في التجارة أو اتخاذ إجراءات أخرى فيما يتعلق بحساباتهم. في هذا اليوم انطوت وبشكل مفاجئ صفحة بنك ليمان براذرز، في عملية إفلاس أشبه ما تكون بالمؤامرة، لينفتح الباب على مصراعيه لبدأ أعنف أزمة مالية مرت على العالم منذ الكساد العالمي الكبير.
كذلك خاض البنك حربا ناجمة عن عمليات بيع واسع لأسهم البنك، حيث اتهم البنك البائعين بأنهم يحاولون الضغط على الأسعار لكي تنخفض، من خلال ترويج شائعات تهدف إلى خفض سعر سهم البنك؛ بينما كان البائعون يردون على المنتقدين لهم بالتساؤل عما إذا كان البنك قد كشف عن الحجم الحقيقي لخسائره بالفعل حتى يمكن الحكم على الأسعار الحقيقية لأسهم البنك. ومع مرور الوقت وتزايد حجم خسائر البنك، انضم عددا متزايدا من المستثمرين إلى جانب النقاد. وفي يوم 9 يونيو2008، أعلن ليمان براذرز عن تحقيق خسارة في الربع الثاني من العام بحوالي 2.8 بليون دولار، وهي خسارة أعلى بكثير من توقعات المحللين في ذلك الوقت. وقالت الشركة أنها ستسعى لجمع مبلغ 6 مليار دولار في صورة رؤوس أموال جديدة من المستثمرين. ولكن هذه الجهود تعثرت، وبدأ موقف البنك يزداد حرجا، بصفة خاصة يوم 8 سبتمبر 2008 عندما أعلنت الحكومة الاستحواذ على عملاقي التمويل العقاري فاني ماي وفريدي ماك. وكلما هوت أسعار الأسهم في السواق تزايد التساؤل عما إذا كان هذا التحرك لإنقاذ شركتي الرهون العقارية العملاقتين جعل من غير المرجح ان يكون ليمان على قائمة الإنقاذ.
في يوم الجمعة 12 سبتمبر 2008 شاعت أخبار عن أن بنك ليمان براذرز على حافة الإفلاس، غير ان تلك الأخبار قد ظهرت على السطح يوم الأحد 14 سبتمبر، وأن البنك يسعى في البحث عن مشترى، وانه لم يظهر حتى الآن مشتري مناسب لبنك الاستثمار الذي له في مجال العمل المصرفي 158 عاما، وأن الإفلاس ربما أصبح أمرا حتميا. وكان بنك أوف أمريكا وبنك باركليز يبحثان جديا في شراء بنك ليمان براذرز، إلا أن التقارير الآتية من بورصة وول ستريت كانت متناقضة بين من يرى أن الصفقة تعد صفقة ذكية جدا لبنك أوف أمريكا، حيث رأى البعض احتمال ان يحقق بنك أوف أمريكا أرباحا ضخمة في المستقبل من عملية الاستحواذ، قدرت بحوالي 10% من إجمالي أرباح بنك أوف أمريكا سنويا. إذا أخذ في الاعتبار عملية استحواذ على بنك قوي وذو تاريخ طويل في مجال الأعمال المصرفية مثل ليمان براذرز، وخصوصا إذا ما تمت الصفقة من خلال عملية حرق سعري مثل ما يحدث أوقات الأزمة. وقد بات من الواضح ان السعر الذي سيدفع في البنك هو العامل الحاسم في إتمام الصفقة. بينما شككت تقارير أخرى فيما إذا كانت عملية الشراء تساوي حجم المخاطر الإضافية المصاحبة لذلك القرار والتي يمكن ان يتحملها بنك أوف أمريكا من جراء قرار الشراء. غير ان بنك أوف أمريكا قد بدأ يتناول بشكل أكثر دقة حجم المخاطر التي يمكن ان يتحملها من جراء الاستحواذ على ليمان براذرز. من ناحية أخرى كانت هناك محاولات لتشكيل فريق من J C Flowers وهي شركة استثمار خاصة، والصندوق السيادي الصيني China Investment Co لشراء البنك. وكانت التقارير تشير إلى أن بنك أوف أمريكا سوف يحتاج إلى تخصيص ما بين 6-8 مليار دولار لتغطية التكاليف الإضافية لتغطية الاحتياجات الرأسمالية اللازمة لدعم محفظة بنك ليمان براذرز العقارية، وتغطية بعض المواقف التجارية لبنك ليمان براذرز.
على جانب آخر كانت التحاليل تشير إلى أن مخاطر الاستحواذ على بنك ليمان براذرز تعد ضخمة جدا، حيث أن حجم القروض العقارية التي يتعرض لها البنك يمكن ان تكون مصدرا مستقبليا للمشكلات المالية لبنك أوف أمريكا. كذلك أشارت التقارير إلى عدم استعداد الاحتياطي الفدرالي إلى ضمان خسائر قروض بنك ليمان براذرز مثلما قام بذلك في صفقة استحواذ J P Morgan على Bear Stearns، وهو ما جعل من عملية شراء البنك أكثر خطورة. ولما كانت عملية إنقاذ بنك ليمان براذرز سوف تستغرق وقتا طويلا قدر بين 3 – 5 سنوات، فإنه إذا ما تعمقت أزمة العقار فان عملية شراء البنك ربما تمثل خطأ كبيرا لأي مشترى. كانت الشركة القابضة للبنك قد فقدت ما يقرب من 7 مليار دولار على مدى الأشهر الستة الماضية على نشوء أزمة البنك بسبب سوء أداء الرهونات على كل من المساكن والعقارات التجارية في الأسواق العالمية. وقد كان الكثيرون يأملون بسرعة الحصول على مشتري للبنك قبل نهاية مساء الأحد 14 سبتمبر بصفة خاصة من قبل بنك باركليز البريطاني أو بنك أوف أمريكا.
بدا من الواضح أن بنك ليمان براذرز أصبح على شفا إعلان إفلاسه، في أكبر عملية إفلاس تم إعلانها في الولايات المتحدة. إذ بدلا من الاستحواذ على ليمان براذرز غير بنك أوف أمريكا وجهته وأعلن عن دفع 50 مليار دولار للاستحواذ على ميريل لينش، في صفقة ستؤدي إلى ولادة اكبر مؤسسة مالية في العالم. بعد ساعات فقط من ظهور تقارير بأن بنك أوف أمريكا قطع المحادثات لشراء ليمان براذرز، وأنه يستعد لشراء ميريل لينش ارتفعت أسهم ميريل لينش بنسبة 33% مباشرة، في حين تراجع سهم أن بنك أوف أمريكا بنسبة 13%. وكما هو الحال بالنسبة لبنك ليمان براذرز فإن شركة ميريل لينش كانت تعاني من رهونات عقارية مضطربة، ونتيجة لذلك أخذ سعر سهم الشركة في التراجع بحوالي 27٪ في الأسبوع السابق على إعلان خبر الاستحواذ، ونحو 68٪ من قيمته منذ نهاية يونيو. وكان القلق قد تزايد في سوق المال من أن شركة ميريل لينش قد تواجه المزيد من الانخفاض في أسعار أسهمها، وأنها تحتاج إلى زيادة رأسمالها لتدعيم ميزانيتها، وذلك بعد أن حققت ميريل لينش صافي خسائر بلغت أكثر من 19 مليار دولار على مدى السنة الماضية. كما أنها قد سبق أن أعلنت عن شطب نحو 39 بليون دولار من الاستثمارات السيئة في صورة خسائر في سندات مغطاة بقروض عقارية بعد انتشار حالات التوقف عن الدفع والعجز عن السداد.
أدت هذه الأحداث إلى شيوع القلق في سوق المال، وانخفض مؤشر داو جونز الصناعي بحوالي 500 نقطة، وهو ما كان يعد وقت ذلك أكبر انخفاض منذ 7 سنوات. وقد كانت أسهم ليمان براذرز قد انخفضت بنسبة 94%، وبحلول يوم الاثنين 15/9/2009، كانت قيمة تلك الأسهم صفر تقريبا، وفشلت كافة المحادثات الخاصة بإنقاذ البنك، الذي كان يوما من الأيام من أكبر بنوك الاستثمار في الولايات المتحدة الأمريكية، وبدأ الذعر يدق الأسواق الأمريكية. ومما زاد الطين بلة أن المجموعة الدولية الأمريكية أكبر شركات التأمين في العالم، أعلنت أنها تخطط لبيع بعض الأصول المضطربة من أجل رفع مستويات السيولة لديها وتعزيز ثقة المستثمرين.
أخذت المخاوف من أزمة الائتمان في التزايد على نحو رهيب، على الرغم من أن الحكومة قد تعهدت بدعم شركتي فاني ماي وفريدي ماك بمبلغ يصل إلى 200 مليار دولار قبل أسبوع واحد فقط، كما قامت قبل أشهر بهندسة عملية شراء جي بي مورغان لشركة بير ستيرنز بضمان 29 مليار دولار. بعد ظهر يوم الأحد أعلنت عشرة مصارف تجارية واستثمارية دولية هي الأميركية "بنك أوف أميركا" و"سيتي بنك" و"غولدمان ساكس" و"جي بي مورغان تشيز" و"ميريل لينش" و"مورغان ستانلي" والبريطاني "باركليز" والألماني "دويتشه بنك" والسويسريان "كريديه سويس" و"أو بي إس" اتحاد المصارف السويسرية، تأسيس صندوق بـ سبعين مليار دولار تستطيع الاستعانة به إذا ما واجهت خطر نقص في السيولة في محاولة لاستباق الأحداث التي يمكن أن تترتب على انهيار ليمان براذرز. وقالت هذه المصارف في بيان مشترك أنها "قامت بسلسلة من الخطوات لتأمين السيولة والحد من تأثير التقلبات غير المسبوقة وغيرها من التحديات التي تواجه أسواق الإقراض". وأضافت المصارف أن كلا منها سيمول هذا الصندوق بسبعة مليارات دولار ويمكن لكل منها الحصول على ثلث المبلغ المودع فيه لتسهيل عملية الحصول على أموال عند الحاجة. من ناحية أخرى أعلن مجلس الاحتياطي الفيدرالي أنه اتخذ سلسلة تدابير من أجل تخفيف القيود المفروضة على قروضه، لدعم الأسواق تقضي بقبوله سندات واسهم تنطوي على مجازفة مرتفعة أو ما يعرف باسم "Junk Bonds" والتي يصعب بيعها من قبل المصارف مقابل إعادة تمويلها للحد من تأثير صدمة الانهيار المرجح لمصرف ليمان براذرز. وتقضي هذه التدابير بتوسيع وتكرار عمليات إعادة تمويل المصارف بما في ذلك ليمان براذرز. وقد خفف الاحتياطي الفدرالي بهذا الشكل الإجراءات اللازمة للحصول على هذه التسهيلات بعد أن كان على المصارف تقديم سندات عالية النوعية للحصول على الائتمان اللازم.
وفى 15 سبتمبر 2008 أصبح من الواضح أنه ليس هناك أي بارقة أمل في إنقاذ البنك ولذلك تم تكليف مجلس إدارة البنك بتقديم التماس في إطار الفصل رقم 11 من قانون الإفلاس من أجل حماية أصوله وتعظيم قيمتها. وأعلنت شركة ليمان براذرز القابضة أنها تعتزم تقديم عريضة في إطار الفصل 11 من قانون الإفلاس في الولايات المتحدة مع الولايات المتحدة في محكمة الإفلاس لمنطقة جنوبي نيويورك، وأن عملاء سماسرة ليمان براذرز بما في ذلك عملاء الشركة المملوكة لها بالكاملNeuberger Berman Holdings يمكنهم أن يستمروا في التجارة أو اتخاذ إجراءات أخرى فيما يتعلق بحساباتهم. في هذا اليوم انطوت وبشكل مفاجئ صفحة بنك ليمان براذرز، في عملية إفلاس أشبه ما تكون بالمؤامرة، لينفتح الباب على مصراعيه لبدأ أعنف أزمة مالية مرت على العالم منذ الكساد العالمي الكبير.
الشيء المؤكد أن السماح بإفلاس ليمان براذرز كان خطأ كبيرا لإدارة الرئيس بوش، خصوصا وان حجم الدعم المالي الذي كان يمكن ان تتحمله الحكومة لإنقاذ البنك اقل بكثير من الاعتمادات المالية الرهيبة التي خصصت لاحقا لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي من تبعات الأزمة التي أعقبت انهيار البنك. ولكن هل يعني ذلك أن استمرار بنك ليمان براذرز كان سيحول دون وقوع الأزمة؟ الإجابة هي بالطبع لا، غير أن حجم الذعر الذي ساد الأسواق العالمية نتيجة إفلاس البنك كان على نحو غير مسبوق، وكان من الممكن ان يكون وقع الأزمة على الأسواق المالية أخف إذا لم يسقط البنك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق