في أواخر كانون الثاني (يناير) الماضي قامت الحكومة الأرجنتينية بالسماح بانخفاض قيمة البيزو بنحو 18 في المائة، فقد شهد الشهر الماضي انخفاض البيزو إلى أدنى مستوياته منذ عام 2002، وذلك عندما أعلن البنك المركزي وقف تدخله في سوق النقد الأجنبي لحماية البيزو في ظل عمليات النزوح المستمر لرأس المال، وذلك في محاولة للحفاظ على الاحتياطيات من النقد الأجنبي من التآكل نتيجة عمليات التدخل المستمر التي قام بها في سوق النقد الأجنبي، خصوصا بعد أن انخفضت الاحتياطيات إلى الثلثين تقريبا هذا العام مقارنة بالعام الماضي، وهو ما أعاد حكايات الماضي مرة أخرى بين الأرجنتينيين والمستثمرين في العالم، حينما أعلنت الحكومة في عام 2002 توقفها عن سداد دينها المقدر بنحو 100 مليار دولار، الأمر الذي أحدث زلزالا في الأسواق المالية في العالم.
الأرجنتين تصنف على أنها ثالث أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية، ومع ذلك تعد من أكثر اقتصادات العالم عرضة للأزمات في الوقت الحالي، فعبر نصف القرن الماضي والأرجنتين تعاني ارتفاع معدلات التضخم، ويعتقد حاليا أن الأرجنتين تواجه أعلى معدلات التضخم في أمريكا اللاتينية بعد فنزويلا، ففي السنة الماضية ارتفع معدل التضخم لأكثر من 25 في المائة، ويتوقع ألا يقل عن 30 في المائة في السنة الحالية، بينما تظهر البيانات الحكومية أن معدل التضخم أقل من نحو 11 في المائة فقط خلال العام، حيث اعتادت الحكومة أن تلعب ببيانات التضخم نظرا لأن العوائد على جانب من سنداتها مربوط بالتضخم.
الشهر الماضي عرضت الأرجنتين على المستثمرين استبدال سندات مستحقة بنحو 17.5 مليار بيزو بسندات أخرى تستحق عام 2019، وذلك بهدف خفض معدلات الفائدة وإطالة أمد استحقاق السندات لكي تتجنب زيادة عرض النقود، فمن دون الاستبدال لن يكون هناك أمام الحكومة من مفر سوى طباعة نقود مقابل هذه السندات المستحقة، وهو ما يرفع من عرض النقود ويؤدي إلى تغذية التضخم المرتفع الذي تعانيه الأرجنتين.
أخيرا أصبحت الأرجنتين تفقد نحو مليار دولار من احتياطياتها من النقد الأجنبي شهريا في الدفاع عن عملتها "البيزو"، ففي أواخر عام 2011 بلغت احتياطيات الأرجنتين من النقد الأجنبي نحو 52 مليار دولار، وقد ترتب على التدخل المستمر في سوق النقد الأجنبي إلى تراجع هذه الاحتياطيات إلى 25 مليار دولارا الشهر الماضي، وهو ما دفع الحكومة إلى فرض قيود على التعامل في العملات الأجنبية، حيث حدت الحكومة من القدرة على سحب المودعات بالدولار، وهو ما أدى إلى خلق المزيد من الاختناقات في سوق الصرف الأجنبي، وانتعاش السوق السوداء للعملة مرة أخرى، حيث يمكن للمتعاملين بيع الدولار بضعف السعر الرسمي تقريبا.
لكي تمنع التدهور في عملتها وتوقف احتمالات نشوب أزمة مالية كتلك التي تعرضت لها في 2002، سمحت الحكومة للمواطنين بتحويل جانب من مودعاتهم بالبيزو إلى دولارات، ففي الشهر الماضي أيضا أعلنت الحكومة عن السماح للمواطنين بشراء الدولار لأول مرة منذ سنوات، حيث يمكن للأرجنتينيين الذين يزيد راتبهم على 900 دولار شهريا شراء الدولار بحد أقصى 2000 دولار في الشهر. على أن يتم الاحتفاظ بها في البنوك، كما تم تخفيض الضريبة على سحب الدولار من 35 إلى 20 في المائة خلال شهر، والتي يمكن تجنبها إذا ما تم الاحتفاظ بالدولارات في البنوك لمدة عام، الأمر الذي يستهدف وقف تراجع قيمة البيزو وتوفير حوافز نحو زيادة الادخار بالنقد الأجنبي ووقف عمليات خروج رؤوس الأموال إلى الخارج.
أكثر من ذلك أعلنت الحكومة عن فرض قيود على عمليات الشراء من الخارج من خلال الإنترنت لكي توقف من تدفق الدولارات إلى الخارج، حيث يمكن للأرجنتينيين عمل مشتريات لمرتين فقط في السنة وحيث لا تتجاوز قيمة المشتريات في المرة الواحدة 25 دولارا، وإلا يتم فرض ضرائب عليها بنسبة 50 في المائة.
التجربة الأرجنتينية توحي بأنه كلما ازدادت القيود الرقابية على السوق السوداء تباعد الفرق بين معدل الصرف فيها وبين المعدل في السوق الرسمي، وهو ما يدفع الحكومة من وقت إلى آخر للتدخل في سوق النقد الأجنبي للدفاع عن العملة ولحمايتها من التراجع، وبالطبع كلما زادت القيود قلت ثقة الأفراد والمستثمرين الدوليين بالعملة، الأمر الذي يعقد الأمور على نحو أكبر. ونتيجة للتجربة السابقة في الحالات المماثلة يميل المواطنون إلى الاحتفاظ بالدولار، وذلك لمواجهة استمرار تراجع قيمة البيزو في سوق النقد الأجنبي، بصفة خاصة في السوق السوداء، وحتى الآن ساعد التدخل من جانب البنك المركزي على الحفاظ على السعر الرسمي في حدود ثمانية بيزو للدولار، في الوقت الذي بلغ فيه معدل صرف السوق السوداء 13 بيزو للدولار.
أهم المخاطر التي تواجه الأرجنتين على عملتها في الوقت الحالي هي عمليات هروب رؤوس الأموال، التي تؤدي إلى تزايد عجز ميزان المدفوعات وتآكل الاحتياطيات من النقد الأجنبي، في الوقت الذي تنخفض فيه قدراتها على الوصول إلى أسواق الدين بالنقد الأجنبي، نظرا لانخفاض تصنيفها الائتماني. فلفترات طويلة تصنف CMA سندات الدين الأرجنتيني على أنها واحدة من أخطر ديون العالم.
الحكومة الأرجنتينية تواجه تراجع الثقة بقدراتها على الحفاظ على العملة، في الوقت الذي تفقد فيه الدولة جانبا كبيرا من احتياطيات النقد الأجنبي، وفي ظل الاحتياطيات المتراجعة فإن استمرار التراجع في قيمة العملة يصبح أمرا مؤكدا، وإن كان حجم ونطاق والنتائج المترتبة على تخفيض قيمة العملة ستعتمد على ما إذا استطاعت الحكومة اقناع الجمهور بأنها قادرة على حماية العملة من التدهور.
الأرجنتين تتبع أيضا نظاما مكثفا للدعم وهو ما يفرض ضغوطا على الميزانية، مسببا المزيد من العجز المالي الذي أدى إلى ارتفاع أسعار المستهلك ما دفع الحكومة لفرض قيود سعرية على 190 سلعة، وبالتالي فما لم تتخذ الحكومة إجراءات لخفض الإنفاق الحكومي والحد من الدعم وتحسين معدلات الفائدة، حيث تصبح معدلات الفائدة الحقيقية موجبة، فإن الفروق بين معدل الصرف الرسمي ومعدل صرف السوق السوداء ستستمر، وسيستمر الأرجنتينيون في التحول من البيزو نحو الدولار مهما بلغت تكلفته.
التوقعات المستقبلية ليست مطمئنة، فالمراقبون يتوقعون أن يستمر انخفاض البيزو ليصل السعر الرسمي إلى 12 بيزو للدولار بنهاية العام وأن يستمر معدل التضخم في الارتفاع واستمرار تراجع معدل الصرف في السوق السوداء وتزايد الضغوط على معدل الصرف الرسمي نحو التراجع. ولكن هل يعود إلى الساحة شبح أزمة 2002؟ على الرغم من كل هذه الضغوط ما زال المراقبون يتوقعون أن الأرجنتين ستخرج من أزمتها بصورة أسهل عما حدث في 2002.
الأرجنتين تصنف على أنها ثالث أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية، ومع ذلك تعد من أكثر اقتصادات العالم عرضة للأزمات في الوقت الحالي، فعبر نصف القرن الماضي والأرجنتين تعاني ارتفاع معدلات التضخم، ويعتقد حاليا أن الأرجنتين تواجه أعلى معدلات التضخم في أمريكا اللاتينية بعد فنزويلا، ففي السنة الماضية ارتفع معدل التضخم لأكثر من 25 في المائة، ويتوقع ألا يقل عن 30 في المائة في السنة الحالية، بينما تظهر البيانات الحكومية أن معدل التضخم أقل من نحو 11 في المائة فقط خلال العام، حيث اعتادت الحكومة أن تلعب ببيانات التضخم نظرا لأن العوائد على جانب من سنداتها مربوط بالتضخم.
الشهر الماضي عرضت الأرجنتين على المستثمرين استبدال سندات مستحقة بنحو 17.5 مليار بيزو بسندات أخرى تستحق عام 2019، وذلك بهدف خفض معدلات الفائدة وإطالة أمد استحقاق السندات لكي تتجنب زيادة عرض النقود، فمن دون الاستبدال لن يكون هناك أمام الحكومة من مفر سوى طباعة نقود مقابل هذه السندات المستحقة، وهو ما يرفع من عرض النقود ويؤدي إلى تغذية التضخم المرتفع الذي تعانيه الأرجنتين.
أخيرا أصبحت الأرجنتين تفقد نحو مليار دولار من احتياطياتها من النقد الأجنبي شهريا في الدفاع عن عملتها "البيزو"، ففي أواخر عام 2011 بلغت احتياطيات الأرجنتين من النقد الأجنبي نحو 52 مليار دولار، وقد ترتب على التدخل المستمر في سوق النقد الأجنبي إلى تراجع هذه الاحتياطيات إلى 25 مليار دولارا الشهر الماضي، وهو ما دفع الحكومة إلى فرض قيود على التعامل في العملات الأجنبية، حيث حدت الحكومة من القدرة على سحب المودعات بالدولار، وهو ما أدى إلى خلق المزيد من الاختناقات في سوق الصرف الأجنبي، وانتعاش السوق السوداء للعملة مرة أخرى، حيث يمكن للمتعاملين بيع الدولار بضعف السعر الرسمي تقريبا.
لكي تمنع التدهور في عملتها وتوقف احتمالات نشوب أزمة مالية كتلك التي تعرضت لها في 2002، سمحت الحكومة للمواطنين بتحويل جانب من مودعاتهم بالبيزو إلى دولارات، ففي الشهر الماضي أيضا أعلنت الحكومة عن السماح للمواطنين بشراء الدولار لأول مرة منذ سنوات، حيث يمكن للأرجنتينيين الذين يزيد راتبهم على 900 دولار شهريا شراء الدولار بحد أقصى 2000 دولار في الشهر. على أن يتم الاحتفاظ بها في البنوك، كما تم تخفيض الضريبة على سحب الدولار من 35 إلى 20 في المائة خلال شهر، والتي يمكن تجنبها إذا ما تم الاحتفاظ بالدولارات في البنوك لمدة عام، الأمر الذي يستهدف وقف تراجع قيمة البيزو وتوفير حوافز نحو زيادة الادخار بالنقد الأجنبي ووقف عمليات خروج رؤوس الأموال إلى الخارج.
أكثر من ذلك أعلنت الحكومة عن فرض قيود على عمليات الشراء من الخارج من خلال الإنترنت لكي توقف من تدفق الدولارات إلى الخارج، حيث يمكن للأرجنتينيين عمل مشتريات لمرتين فقط في السنة وحيث لا تتجاوز قيمة المشتريات في المرة الواحدة 25 دولارا، وإلا يتم فرض ضرائب عليها بنسبة 50 في المائة.
التجربة الأرجنتينية توحي بأنه كلما ازدادت القيود الرقابية على السوق السوداء تباعد الفرق بين معدل الصرف فيها وبين المعدل في السوق الرسمي، وهو ما يدفع الحكومة من وقت إلى آخر للتدخل في سوق النقد الأجنبي للدفاع عن العملة ولحمايتها من التراجع، وبالطبع كلما زادت القيود قلت ثقة الأفراد والمستثمرين الدوليين بالعملة، الأمر الذي يعقد الأمور على نحو أكبر. ونتيجة للتجربة السابقة في الحالات المماثلة يميل المواطنون إلى الاحتفاظ بالدولار، وذلك لمواجهة استمرار تراجع قيمة البيزو في سوق النقد الأجنبي، بصفة خاصة في السوق السوداء، وحتى الآن ساعد التدخل من جانب البنك المركزي على الحفاظ على السعر الرسمي في حدود ثمانية بيزو للدولار، في الوقت الذي بلغ فيه معدل صرف السوق السوداء 13 بيزو للدولار.
أهم المخاطر التي تواجه الأرجنتين على عملتها في الوقت الحالي هي عمليات هروب رؤوس الأموال، التي تؤدي إلى تزايد عجز ميزان المدفوعات وتآكل الاحتياطيات من النقد الأجنبي، في الوقت الذي تنخفض فيه قدراتها على الوصول إلى أسواق الدين بالنقد الأجنبي، نظرا لانخفاض تصنيفها الائتماني. فلفترات طويلة تصنف CMA سندات الدين الأرجنتيني على أنها واحدة من أخطر ديون العالم.
الحكومة الأرجنتينية تواجه تراجع الثقة بقدراتها على الحفاظ على العملة، في الوقت الذي تفقد فيه الدولة جانبا كبيرا من احتياطيات النقد الأجنبي، وفي ظل الاحتياطيات المتراجعة فإن استمرار التراجع في قيمة العملة يصبح أمرا مؤكدا، وإن كان حجم ونطاق والنتائج المترتبة على تخفيض قيمة العملة ستعتمد على ما إذا استطاعت الحكومة اقناع الجمهور بأنها قادرة على حماية العملة من التدهور.
الأرجنتين تتبع أيضا نظاما مكثفا للدعم وهو ما يفرض ضغوطا على الميزانية، مسببا المزيد من العجز المالي الذي أدى إلى ارتفاع أسعار المستهلك ما دفع الحكومة لفرض قيود سعرية على 190 سلعة، وبالتالي فما لم تتخذ الحكومة إجراءات لخفض الإنفاق الحكومي والحد من الدعم وتحسين معدلات الفائدة، حيث تصبح معدلات الفائدة الحقيقية موجبة، فإن الفروق بين معدل الصرف الرسمي ومعدل صرف السوق السوداء ستستمر، وسيستمر الأرجنتينيون في التحول من البيزو نحو الدولار مهما بلغت تكلفته.
التوقعات المستقبلية ليست مطمئنة، فالمراقبون يتوقعون أن يستمر انخفاض البيزو ليصل السعر الرسمي إلى 12 بيزو للدولار بنهاية العام وأن يستمر معدل التضخم في الارتفاع واستمرار تراجع معدل الصرف في السوق السوداء وتزايد الضغوط على معدل الصرف الرسمي نحو التراجع. ولكن هل يعود إلى الساحة شبح أزمة 2002؟ على الرغم من كل هذه الضغوط ما زال المراقبون يتوقعون أن الأرجنتين ستخرج من أزمتها بصورة أسهل عما حدث في 2002.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق