تعد اعتمادات أجور العاملين في القطاع الحكومي في دول مجلس التعاون الخليجي أحد أهم بنود الإنفاق الحكومي إن لم تكن أهمها على الإطلاق، فالقطاعات الحكومية في دول المجلس تضم عددا كبيرا من المواطنين، وفي بعض الحالات تعمل الغالبية العظمي من المواطنين في القطاع الحكومي، بينما يعتمد القطاع الخاص على العمالة الوافدة بصورة أساسية، وتعمل الأجور المرتفعة نسبيا للعاملين في القطاع الحكومي مقارنة بالقطاع الخاص على استمرار هذا الوضع، بما له من آثار مالية خطيرة على المدى الطويل.
مع ارتفاع أسعار النفط وتحقيق الميزانيات العامة للدولة الخليجية لفوائض مالية تأخذ المطالبات بزيادة المرتبات نحو التزايد، وعندما تستجيب الحكومات الخليجية لتلك المطالب بزيادة الأجور فإن ذلك تترتب عليه ثلاثة آثار في غاية في الخطورة، الأول هو تحمل الحكومات لالتزامات أبدية في الإنفاق على المرتبات والتي لا يمكن التخلص منها لاحقاً إلا من خلال اللجوء إلى تخفيض الرواتب، وهو أمر لن يكون مقبولا من جانب موظفي الدولة، فضلا عن آثاره السياسية الخطرة، أما الأثر الثاني فيتمثل في تعميق الفجوة في مستويات الأجور بين القطاعين الحكومي والخاص وذلك لمصلحة العاملين في الحكومة، الأمر الذي يترتب عليه هجرة للعمالة الوطنية من القطاع الخاص نحو القطاع الحكومي للاستفادة من الأجور الأعلى، وهو ما يجهض خطط الدولة لتحويل العاملين من القطاع الحكومي إلى القطاع الخاص لرفع درجة استيعاب القطاع الخاص للعمالة الوطنية، أما الأثر الثالث فيتمثل في ارتفاع التزامات الحكومات نحو سداد العجز الذي يترتب على ارتفاع المعاشات التقاعدية نتيجة زيادة الأجور وذلك في حسابات مؤسسات المعاشات، أو ما يطلق عليه ''العجز الاكتواري''.
غير أن القاسم المشترك في الزيادات الحادثة في الأجور والمرتبات في دول الخليج هو أنها تسير بصورة عشوائية، ولا تستند إلى أي أساس علمي في احتساب تلك الزيادات. فمن الناحية النظرية يفترض أن زيادة المرتبات إما أن تستهدف مجاراة الزيادة الحادثة في معدل التضخم، وذلك حتى تحافظ الدولة على القوة الشرائية لدخول موظفيها، أو أن تصاحب النمو في إنتاجية العاملين، فمع زيادة الإنتاجية لا بد من زيادة التعويضات التي يحصل عليها العاملين في قطاعات إنتاج للسلع وتقديم الخدمات بما يتوافق مع معدلات النمو في الإنتاجية، وبتدقيق النظر في معدلات النمو في الأجور ومعدلات التضخم، يلاحظ أن النمو في الأجور كان أعلى من الزيادة في معدل التضخم، كما أنه بالتأكيد لا يتوافق مع النمو في الإنتاجية في دول المجلس.
إن أي سيناريو مستقبلي لاعتمادات الرواتب في ظل النمو الحالي لها لا يحمل سوى نتيجة واحدة وهي استحالة استدامة أوضاع المالية العامة لدول المجلس في نطاق آمن في ظل الضغط الذي ستمثله أعباء الأجور على الميزانية العامة للدولة مستقبلا، وربما تكون خيارات الحكومات الخليجية في التعامل مع الضغوط المالية لاعتمادات الرواتب قاسية للغاية في المستقبل، حيث قد تضطر الدولة الى التركيز على زيادة المرتبات من الناحية الاسمية فقط، مثل السماح بخفض قيمة العملات الوطنية وذلك حتى تتمكن الدولة من استيفاء التزاماتها نحو جيش العاملين فيها بجميع فئاتهم وكوادرهم.
لذلك أعتقد أن البحث عن آلية مناسبة لضبط النمو في رواتب العاملين في الدولة أحد الضرورات الأساسية للإصلاح المالي لضبط النمو في الإنفاق العام في الوقت الحالي، وهو ما يطلق عليه ربط الأجور Wage indexation، حيث تكون الزيادات في الرواتب عادلة ومبنية على أساس علمي. ويعد ربط الأجور من الموضوعات التي تزايد الاهتمام بها في سبعينيات القرن الماضي وذلك عندما اجتاحت دول العالم الموجات التضخمية المرتفعة التي صاحب ارتفاع تكلفة الطاقة، فقد اقترح أن تتم عملية ربط الأجور في الكثير من الدول خصوصا في دول أمريكا اللاتينية، وذلك للتأكد من ثبات القيمة الحقيقية لأجور العاملين وعدم تدهور القوة الشرائية لدخولهم عبر الزمن نتيجة لارتفاع الأسعار.
بهذا الشكل تتأكد الدولة من وجود آلية واضحة لتحديد مقدار الزيادات التي يمكن إقرارها في الأجور، حيث تكون تلك الزيادات عادلة بالنسبة للعاملين وغير مغالى فيها وغير مكلفة للدولة في الوقت ذاته. ولعل أهم مزايا ربط الأجور هي أنها ستضمن تحقيق العدالة الاجتماعية والتأكد من عدالة عملية توزيع الدخل بالنسبة للعمال، حيث يؤدي الربط إلى الحفاظ على القوة الشرائية للأجور، لأن الربط يترتب عليه الحفاظ على مستويات القوة الشرائية لأجور العمال من التدهور بفعل التضخم.
من ناحية أخرى، فإن ربط الأجور سيجبر البنك المركزي للدولة على الاهتمام بصورة أكبر بعملية صياغة وتنفيذ سياساته النقدية، حيث سيتركز اهتمام البنك المركزي في الحفاظ على معدل التضخم في حدود مناسبة، أو تبني معدلات مستهدفة للتضخم، حيث تتم صياغة السياسة النقدية لأغراض الحفاظ على هذا المعدل حتى لا يترتب على انحراف معدل التضخم عن المستويات المستهدفة له آثار مالية Fiscal على الميزانية العامة للدولة.
وعلى الرغم من تعدد صيغ ربط الأجور من الناحية النظرية، إلا أنه من الناحية العملية جرت العادة على ربط الأجور بمعدل التضخم وفقا لتعريفات مختلفة لمعدل التضخم ودرجة شمول هذا المعدل للمجموعات السلعية المختلفة التي يتكون منها، وتميل معظم الدول إلى ربط الأجور بتطورات معدل التضخم في الفترة الزمنية السابقة ''أي بفترات تأخير في الربط''، وليس بمعدل التضخم في الفترة الحالية، غير أن ربط الأجور بمعدلات التضخم في الماضي يترتب عليه بعض الآثار أهمها أن عقود التوظيف عادة ما تكون لفترات زمنية طويلة، سنة فأكثر، وبالتالي فإن ارتفاع معدل التضخم الحالي سيحدث آثارا آنية على القوة الشرائية لدخول العاملين، ومن ثم مستويات معيشتهم، والتي لن يتم تعديلها إلا في نهاية السنة الحالية أو حينما يتم تجديد العقود.
لذلك قد يقترح أن تتم عملية ربط الأجور بالتضخم على أساس فترات أقل من سنة، وهو نظام أفضل بالنسبة للعاملين لأنه يقلل من التكلفة التي يمكن أن يتحملوها نتيجة ارتفاع معدلات التضخم، أو من الممكن أن يتم الاتفاق على أنه عندما يتجاوز معدل التضخم مستوى محدد يتفق عليه، فإن عملية إعادة تعديل الأجور لا بد فورا وفي أي وقت من السنة.
وأيا كانت الآلية التي سيتم بها الربط، فإن ضبط الأجور إذن لا يستهدف إذن وقف النمو فيها، وإنما وضع آلية واضحة لزيادة المرتبات تستهدف الحفاظ على القوة الشرائية لدخول العاملين في الدولة وفي الوقت ذاته حماية الميزانيات العامة من مخاطر نمو الأجور والمرتبات على نحو عشوائي غير مدروس وذلك لضمان استدامة المالية العامة لدول المجلس ورفع قدرتها على مواجهة الضغط المالي الذي تمثله مثل هذه الأعباء الدائمة على المالية العامة.
مع ارتفاع أسعار النفط وتحقيق الميزانيات العامة للدولة الخليجية لفوائض مالية تأخذ المطالبات بزيادة المرتبات نحو التزايد، وعندما تستجيب الحكومات الخليجية لتلك المطالب بزيادة الأجور فإن ذلك تترتب عليه ثلاثة آثار في غاية في الخطورة، الأول هو تحمل الحكومات لالتزامات أبدية في الإنفاق على المرتبات والتي لا يمكن التخلص منها لاحقاً إلا من خلال اللجوء إلى تخفيض الرواتب، وهو أمر لن يكون مقبولا من جانب موظفي الدولة، فضلا عن آثاره السياسية الخطرة، أما الأثر الثاني فيتمثل في تعميق الفجوة في مستويات الأجور بين القطاعين الحكومي والخاص وذلك لمصلحة العاملين في الحكومة، الأمر الذي يترتب عليه هجرة للعمالة الوطنية من القطاع الخاص نحو القطاع الحكومي للاستفادة من الأجور الأعلى، وهو ما يجهض خطط الدولة لتحويل العاملين من القطاع الحكومي إلى القطاع الخاص لرفع درجة استيعاب القطاع الخاص للعمالة الوطنية، أما الأثر الثالث فيتمثل في ارتفاع التزامات الحكومات نحو سداد العجز الذي يترتب على ارتفاع المعاشات التقاعدية نتيجة زيادة الأجور وذلك في حسابات مؤسسات المعاشات، أو ما يطلق عليه ''العجز الاكتواري''.
غير أن القاسم المشترك في الزيادات الحادثة في الأجور والمرتبات في دول الخليج هو أنها تسير بصورة عشوائية، ولا تستند إلى أي أساس علمي في احتساب تلك الزيادات. فمن الناحية النظرية يفترض أن زيادة المرتبات إما أن تستهدف مجاراة الزيادة الحادثة في معدل التضخم، وذلك حتى تحافظ الدولة على القوة الشرائية لدخول موظفيها، أو أن تصاحب النمو في إنتاجية العاملين، فمع زيادة الإنتاجية لا بد من زيادة التعويضات التي يحصل عليها العاملين في قطاعات إنتاج للسلع وتقديم الخدمات بما يتوافق مع معدلات النمو في الإنتاجية، وبتدقيق النظر في معدلات النمو في الأجور ومعدلات التضخم، يلاحظ أن النمو في الأجور كان أعلى من الزيادة في معدل التضخم، كما أنه بالتأكيد لا يتوافق مع النمو في الإنتاجية في دول المجلس.
إن أي سيناريو مستقبلي لاعتمادات الرواتب في ظل النمو الحالي لها لا يحمل سوى نتيجة واحدة وهي استحالة استدامة أوضاع المالية العامة لدول المجلس في نطاق آمن في ظل الضغط الذي ستمثله أعباء الأجور على الميزانية العامة للدولة مستقبلا، وربما تكون خيارات الحكومات الخليجية في التعامل مع الضغوط المالية لاعتمادات الرواتب قاسية للغاية في المستقبل، حيث قد تضطر الدولة الى التركيز على زيادة المرتبات من الناحية الاسمية فقط، مثل السماح بخفض قيمة العملات الوطنية وذلك حتى تتمكن الدولة من استيفاء التزاماتها نحو جيش العاملين فيها بجميع فئاتهم وكوادرهم.
لذلك أعتقد أن البحث عن آلية مناسبة لضبط النمو في رواتب العاملين في الدولة أحد الضرورات الأساسية للإصلاح المالي لضبط النمو في الإنفاق العام في الوقت الحالي، وهو ما يطلق عليه ربط الأجور Wage indexation، حيث تكون الزيادات في الرواتب عادلة ومبنية على أساس علمي. ويعد ربط الأجور من الموضوعات التي تزايد الاهتمام بها في سبعينيات القرن الماضي وذلك عندما اجتاحت دول العالم الموجات التضخمية المرتفعة التي صاحب ارتفاع تكلفة الطاقة، فقد اقترح أن تتم عملية ربط الأجور في الكثير من الدول خصوصا في دول أمريكا اللاتينية، وذلك للتأكد من ثبات القيمة الحقيقية لأجور العاملين وعدم تدهور القوة الشرائية لدخولهم عبر الزمن نتيجة لارتفاع الأسعار.
بهذا الشكل تتأكد الدولة من وجود آلية واضحة لتحديد مقدار الزيادات التي يمكن إقرارها في الأجور، حيث تكون تلك الزيادات عادلة بالنسبة للعاملين وغير مغالى فيها وغير مكلفة للدولة في الوقت ذاته. ولعل أهم مزايا ربط الأجور هي أنها ستضمن تحقيق العدالة الاجتماعية والتأكد من عدالة عملية توزيع الدخل بالنسبة للعمال، حيث يؤدي الربط إلى الحفاظ على القوة الشرائية للأجور، لأن الربط يترتب عليه الحفاظ على مستويات القوة الشرائية لأجور العمال من التدهور بفعل التضخم.
من ناحية أخرى، فإن ربط الأجور سيجبر البنك المركزي للدولة على الاهتمام بصورة أكبر بعملية صياغة وتنفيذ سياساته النقدية، حيث سيتركز اهتمام البنك المركزي في الحفاظ على معدل التضخم في حدود مناسبة، أو تبني معدلات مستهدفة للتضخم، حيث تتم صياغة السياسة النقدية لأغراض الحفاظ على هذا المعدل حتى لا يترتب على انحراف معدل التضخم عن المستويات المستهدفة له آثار مالية Fiscal على الميزانية العامة للدولة.
وعلى الرغم من تعدد صيغ ربط الأجور من الناحية النظرية، إلا أنه من الناحية العملية جرت العادة على ربط الأجور بمعدل التضخم وفقا لتعريفات مختلفة لمعدل التضخم ودرجة شمول هذا المعدل للمجموعات السلعية المختلفة التي يتكون منها، وتميل معظم الدول إلى ربط الأجور بتطورات معدل التضخم في الفترة الزمنية السابقة ''أي بفترات تأخير في الربط''، وليس بمعدل التضخم في الفترة الحالية، غير أن ربط الأجور بمعدلات التضخم في الماضي يترتب عليه بعض الآثار أهمها أن عقود التوظيف عادة ما تكون لفترات زمنية طويلة، سنة فأكثر، وبالتالي فإن ارتفاع معدل التضخم الحالي سيحدث آثارا آنية على القوة الشرائية لدخول العاملين، ومن ثم مستويات معيشتهم، والتي لن يتم تعديلها إلا في نهاية السنة الحالية أو حينما يتم تجديد العقود.
لذلك قد يقترح أن تتم عملية ربط الأجور بالتضخم على أساس فترات أقل من سنة، وهو نظام أفضل بالنسبة للعاملين لأنه يقلل من التكلفة التي يمكن أن يتحملوها نتيجة ارتفاع معدلات التضخم، أو من الممكن أن يتم الاتفاق على أنه عندما يتجاوز معدل التضخم مستوى محدد يتفق عليه، فإن عملية إعادة تعديل الأجور لا بد فورا وفي أي وقت من السنة.
وأيا كانت الآلية التي سيتم بها الربط، فإن ضبط الأجور إذن لا يستهدف إذن وقف النمو فيها، وإنما وضع آلية واضحة لزيادة المرتبات تستهدف الحفاظ على القوة الشرائية لدخول العاملين في الدولة وفي الوقت ذاته حماية الميزانيات العامة من مخاطر نمو الأجور والمرتبات على نحو عشوائي غير مدروس وذلك لضمان استدامة المالية العامة لدول المجلس ورفع قدرتها على مواجهة الضغط المالي الذي تمثله مثل هذه الأعباء الدائمة على المالية العامة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق