تراجعت الليرة التركية في الأسابيع الأخيرة بصورة أكبر مما كان متوقعا، سواء من جانب الأسواق أو من جانب البنك المركزي التركي، والذي حدد القيمة المستهدفة لليرة بنهاية العام الماضي عند 1.98 ليرة للدولار، غير أن معدل صرف الدولار يبلغ نحو 2.0 ليرة لكل دولار، والليرة التركية حاليا عند أدنى مستوياتها في مقابل الدولار منذ 17 شهرا، حيث خسرت أكثر من 6 في المائة من قيمتها منذ حزيران (يونيو) الماضي، وهو ما جعل منها واحدة من أسوأ العملات أداء في سوق العملات الدولية.
تراجع الليرة يحدث على الرغم من أنه على المستوى الكلي تعد تركيا من أكثر الدول نموا في الدول الناشئة، حيث تحقق معدلات مرتفعة للنمو تلي الصين في المرتبة، وهي نتيجة غريبة نسبيا. فما العوامل التي أدت إلى تراجع الليرة على هذا النحو؟ يمكن تحديد مجموعتين من العوامل المسؤولة عن هذا التراجع في قيمة الليرة وهي العوامل الاقتصادية والعوامل السياسية.
بالنسبة للعوامل الاقتصادية من المعلوم أن قيمة أي عملة تتحدد بالطلب عليها والعرض منها، وقد واجهت الليرة التركية في السنوات الأخيرة طلبا كبيرا من جانب المستثمرين في العالم. فعندما بدأت البنوك المركزية الرئيسة في ضخ كميات هائلة من النقود بهدف تخفيض معدلات الفائدة إلى مستويات دنيا تساعد على تشجيع الطلب الكلي، أخذت عملات هذه الدول في التراجع مع تزايد التوقعات بارتفاع معدلات التضخم، وهو ما أدى إلى هروب المدخرات إلى الخارج بحثا عن عملات بديلة توفر معدلات عائد أعلى ودرجة أكبر من الأمان ضد مخاطر تراجع قيمة الاستثمارات، وقد كانت عملات الدول الناشئة هي أفضل البدائل المتاحة للاستثمار في الدولار واليورو والجنيه الاسترليني، وقد كانت الليرة التركية واحدة من أكثر العملات التي استفادت من ضعف العملات الرئيسة في العالم.
كان لتحسن الأداء الاقتصادي في الأشهر الأخيرة، بصفة خاصة في الاقتصاد الأمريكي والبريطاني، أكبر الأثر في رفع مستويات الثقة حول آفاق النمو في الاقتصاد العالمي، وبدأت البنوك المركزية تراجع سياساتها النقدية التوسعية، والقيام بخفض عمليات التيسير الكمي مما أدى إلى تصاعد الثقة بالعملات الرئيسة في العالم، وهو ما دعا المستثمرين إلى العودة مرة أخرى إلى عملاتهم الأساسية، والتوقف عن البحث عن فروقات معدلات الفائدة الأكثر مخاطرة في الخارج، وبدأت العملات الناشئة في التراجع، نظرا لتراجع جاذبيتها بالنسبة للمستثمرين في العملات في العالم، وقد أدى اتجاه المستثمرين نحو بيع السندات التركية إلى تراجع أسعارها، الأمر الذي ترتب عليه ارتفاع معدلات العائد عليها من نحو 4.6 إلى نحو 6 في المائة.
من جانب آخر، يميل الميزان التجاري التركي حاليا نحو تسجيل عجز أكبر مما كان متوقعا، وهو ما يقلل من شهية المستثمرين نحو الليرة التركية، وبالتالي تأثر تدفقات رؤوس الأموال إلى الداخل في الوقت الذي تحتاج فيه تركيا إلى هذه التدفقات. أكثر من ذلك أدى تراجع قيمة الليرة التركية أمام الدولار واليورو إلى ارتفاع قيمة الواردات ومن ثم تغذية التضخم، وهو ما يسمى بأثر الـ Pass through، والذي يعكس أثر انتقال انخفاض قيمة العملة في أسعار الواردات، الأمر الذي يؤدي إلى أثرين؛ الأول زيادة العجز في الميزان التجاري والذي يقدر حاليا بنحو 60 مليار دولار، والثاني ارتفاع المستوى العام للأسعار بصفة خاصة الوقود، حيث تستورد تركيا نحو 90 في المائة من احتياجاتها من النفط والغاز من الخارج، وتقترب معدلات التضخم حاليا من 9 في المائة، ويتوقع مع استمرار تراجع الليرة أن تدخل حاجز الرقمين.
المشكلة الأساسية هي أن هذه التطورات تحدث في وقت يعاني فيه البنك المركزي التركي شحا في الاحتياطيات الدولية، حيث يقدر صافي الاحتياطيات من النقد الأجنبي المتاح حاليا بنحو 42 مليار دولار، وهو ما يغطي شهرين من الواردات فقط، وهو معدل منخفض جدا، ولا شك أن مثل هذا الوضع يثير الشكوك حول قدرة البنك المركزي على الدفاع عن الليرة. ذلك أن تدفقات رؤوس الأموال إلى الخارج تؤدي إلى الضغط على موارد النقد الأجنبي للدولة، في الوقت الذي يحتاج فيه البنك المركزي التركي لهذه التدفقات لتمويل العجز في ميزان المدفوعات ولأغراض التدخل في سوق الصرف الأجنبي للدفاع عن الليرة التركية. هذا الوضع الحرج لاحتياطيات النقد الأجنبي يجعل من تركيا واحدة من أكثر الدول تأثرا بانخفاض تدفقات النقد الأجنبي إلى الداخل.
مع تراجع قيمة الليرة فإن التضخم سيميل نحو الارتفاع، كما أن ارتفاع معدلات العائد السوقية على السندات التركية يؤدي إلى زيادة معدلات الفائدة، وهو ما بدأت بوادره في الظهور بالفعل، وعلى الرغم من أن ارتفاع معدلات الفائدة يسهم في الحد من الاتجاهات التضخمية، إلا أن رفع معدلات الفائدة سيؤثر سلبا في اتجاهات النمو الأمر الذي يعني مزيدا من التراجع للعملة التركية.
من ناحية ثالثة، فإن ديون تركيا الخارجية كبيرة والتي تزيد حاليا على 420 مليار دولار، والتي مع العجز في ميزان المدفوعات تجعل العملة أكثر حساسية لمثل هذه التطورات.
على الجانب السياسي فإن تصاعد الاحتجاجات ضد الحكومة التركية، والتي بدأت باحتجاجات حديقة "جيزي" حتى فضائح الفساد الأخيرة والتي اتهم فيها الكثير من المسؤولين المحسوبين على الحكومة، الأمر الذي دعا أردوغان إلى التخلص من مئات من ضباط البوليس، ووعد باجتثاث جذور الفساد في تركيا، ويرى بعض المراقبين أن 2014 سيشهد متاعب سياسية أكبر للحكومة الحالية، خصوصا بعد تحول الأزمة في تركيا من صراع بسبب الفساد إلى صراع على السلطة، حيث طالب البعض باستقالة أردوغان نفسه مع تغيير بعض الوزراء في حكومته. تركيا أيضا مقدمة على سلسلة من الانتخابات في الفترة المقبلة، وهي بكل تأكيد تمثل التوقيت الخطأ بالنسبة للحزب الحاكم، حيث ستعقد الانتخابات البلدية في آذار (مارس) القادم، والانتخابات الرئاسية في حزيران (يونيو) 2014، والانتخابات العامة في 2015.
من العوامل السياسية أيضا استمرار تدهور الأوضاع في سورية الأمر الذي يؤثر في الدول المحيطة بها كافة، فعلى الرغم من أن احتمالات التدخل العسكري في سورية ما زالت خارج نطاق الخيارات الحالية للتعامل مع المشكلة، إلا أن استمرار الصراع في سورية لا يوفر المناخ المناسب لاستقرار عملات الدول المحيطة، وعلى رأسها تركيا. بالطبع عندما يتوقف الصراع الدائر في سورية، فإن ذلك سيؤدي إلى المزيد من الاستقرار في المنطقة، وهو ما سيساعد على استعادة النمو لمستوياته الطبيعية في تركيا وفي الدول المحيطة.
وأخيرا لا شك في أن حالة الاقتصاد التركي ستؤثر في شعبية حزب العدالة والتنمية، وهو ما قد يتطلب من الحكومة الحالية اتخاذ إجراءات لتنشيط الاقتصاد ورفع معدلات النمو ومواجهة التضخم وتراجع قيمة العملة في الوقت ذاته، وتحقيق كل هذه المستهدفات في الوقت ذاته تعتبر مهمة مستحيلة من الناحية الاقتصادية.
تراجع الليرة يحدث على الرغم من أنه على المستوى الكلي تعد تركيا من أكثر الدول نموا في الدول الناشئة، حيث تحقق معدلات مرتفعة للنمو تلي الصين في المرتبة، وهي نتيجة غريبة نسبيا. فما العوامل التي أدت إلى تراجع الليرة على هذا النحو؟ يمكن تحديد مجموعتين من العوامل المسؤولة عن هذا التراجع في قيمة الليرة وهي العوامل الاقتصادية والعوامل السياسية.
بالنسبة للعوامل الاقتصادية من المعلوم أن قيمة أي عملة تتحدد بالطلب عليها والعرض منها، وقد واجهت الليرة التركية في السنوات الأخيرة طلبا كبيرا من جانب المستثمرين في العالم. فعندما بدأت البنوك المركزية الرئيسة في ضخ كميات هائلة من النقود بهدف تخفيض معدلات الفائدة إلى مستويات دنيا تساعد على تشجيع الطلب الكلي، أخذت عملات هذه الدول في التراجع مع تزايد التوقعات بارتفاع معدلات التضخم، وهو ما أدى إلى هروب المدخرات إلى الخارج بحثا عن عملات بديلة توفر معدلات عائد أعلى ودرجة أكبر من الأمان ضد مخاطر تراجع قيمة الاستثمارات، وقد كانت عملات الدول الناشئة هي أفضل البدائل المتاحة للاستثمار في الدولار واليورو والجنيه الاسترليني، وقد كانت الليرة التركية واحدة من أكثر العملات التي استفادت من ضعف العملات الرئيسة في العالم.
كان لتحسن الأداء الاقتصادي في الأشهر الأخيرة، بصفة خاصة في الاقتصاد الأمريكي والبريطاني، أكبر الأثر في رفع مستويات الثقة حول آفاق النمو في الاقتصاد العالمي، وبدأت البنوك المركزية تراجع سياساتها النقدية التوسعية، والقيام بخفض عمليات التيسير الكمي مما أدى إلى تصاعد الثقة بالعملات الرئيسة في العالم، وهو ما دعا المستثمرين إلى العودة مرة أخرى إلى عملاتهم الأساسية، والتوقف عن البحث عن فروقات معدلات الفائدة الأكثر مخاطرة في الخارج، وبدأت العملات الناشئة في التراجع، نظرا لتراجع جاذبيتها بالنسبة للمستثمرين في العملات في العالم، وقد أدى اتجاه المستثمرين نحو بيع السندات التركية إلى تراجع أسعارها، الأمر الذي ترتب عليه ارتفاع معدلات العائد عليها من نحو 4.6 إلى نحو 6 في المائة.
من جانب آخر، يميل الميزان التجاري التركي حاليا نحو تسجيل عجز أكبر مما كان متوقعا، وهو ما يقلل من شهية المستثمرين نحو الليرة التركية، وبالتالي تأثر تدفقات رؤوس الأموال إلى الداخل في الوقت الذي تحتاج فيه تركيا إلى هذه التدفقات. أكثر من ذلك أدى تراجع قيمة الليرة التركية أمام الدولار واليورو إلى ارتفاع قيمة الواردات ومن ثم تغذية التضخم، وهو ما يسمى بأثر الـ Pass through، والذي يعكس أثر انتقال انخفاض قيمة العملة في أسعار الواردات، الأمر الذي يؤدي إلى أثرين؛ الأول زيادة العجز في الميزان التجاري والذي يقدر حاليا بنحو 60 مليار دولار، والثاني ارتفاع المستوى العام للأسعار بصفة خاصة الوقود، حيث تستورد تركيا نحو 90 في المائة من احتياجاتها من النفط والغاز من الخارج، وتقترب معدلات التضخم حاليا من 9 في المائة، ويتوقع مع استمرار تراجع الليرة أن تدخل حاجز الرقمين.
المشكلة الأساسية هي أن هذه التطورات تحدث في وقت يعاني فيه البنك المركزي التركي شحا في الاحتياطيات الدولية، حيث يقدر صافي الاحتياطيات من النقد الأجنبي المتاح حاليا بنحو 42 مليار دولار، وهو ما يغطي شهرين من الواردات فقط، وهو معدل منخفض جدا، ولا شك أن مثل هذا الوضع يثير الشكوك حول قدرة البنك المركزي على الدفاع عن الليرة. ذلك أن تدفقات رؤوس الأموال إلى الخارج تؤدي إلى الضغط على موارد النقد الأجنبي للدولة، في الوقت الذي يحتاج فيه البنك المركزي التركي لهذه التدفقات لتمويل العجز في ميزان المدفوعات ولأغراض التدخل في سوق الصرف الأجنبي للدفاع عن الليرة التركية. هذا الوضع الحرج لاحتياطيات النقد الأجنبي يجعل من تركيا واحدة من أكثر الدول تأثرا بانخفاض تدفقات النقد الأجنبي إلى الداخل.
مع تراجع قيمة الليرة فإن التضخم سيميل نحو الارتفاع، كما أن ارتفاع معدلات العائد السوقية على السندات التركية يؤدي إلى زيادة معدلات الفائدة، وهو ما بدأت بوادره في الظهور بالفعل، وعلى الرغم من أن ارتفاع معدلات الفائدة يسهم في الحد من الاتجاهات التضخمية، إلا أن رفع معدلات الفائدة سيؤثر سلبا في اتجاهات النمو الأمر الذي يعني مزيدا من التراجع للعملة التركية.
من ناحية ثالثة، فإن ديون تركيا الخارجية كبيرة والتي تزيد حاليا على 420 مليار دولار، والتي مع العجز في ميزان المدفوعات تجعل العملة أكثر حساسية لمثل هذه التطورات.
على الجانب السياسي فإن تصاعد الاحتجاجات ضد الحكومة التركية، والتي بدأت باحتجاجات حديقة "جيزي" حتى فضائح الفساد الأخيرة والتي اتهم فيها الكثير من المسؤولين المحسوبين على الحكومة، الأمر الذي دعا أردوغان إلى التخلص من مئات من ضباط البوليس، ووعد باجتثاث جذور الفساد في تركيا، ويرى بعض المراقبين أن 2014 سيشهد متاعب سياسية أكبر للحكومة الحالية، خصوصا بعد تحول الأزمة في تركيا من صراع بسبب الفساد إلى صراع على السلطة، حيث طالب البعض باستقالة أردوغان نفسه مع تغيير بعض الوزراء في حكومته. تركيا أيضا مقدمة على سلسلة من الانتخابات في الفترة المقبلة، وهي بكل تأكيد تمثل التوقيت الخطأ بالنسبة للحزب الحاكم، حيث ستعقد الانتخابات البلدية في آذار (مارس) القادم، والانتخابات الرئاسية في حزيران (يونيو) 2014، والانتخابات العامة في 2015.
من العوامل السياسية أيضا استمرار تدهور الأوضاع في سورية الأمر الذي يؤثر في الدول المحيطة بها كافة، فعلى الرغم من أن احتمالات التدخل العسكري في سورية ما زالت خارج نطاق الخيارات الحالية للتعامل مع المشكلة، إلا أن استمرار الصراع في سورية لا يوفر المناخ المناسب لاستقرار عملات الدول المحيطة، وعلى رأسها تركيا. بالطبع عندما يتوقف الصراع الدائر في سورية، فإن ذلك سيؤدي إلى المزيد من الاستقرار في المنطقة، وهو ما سيساعد على استعادة النمو لمستوياته الطبيعية في تركيا وفي الدول المحيطة.
وأخيرا لا شك في أن حالة الاقتصاد التركي ستؤثر في شعبية حزب العدالة والتنمية، وهو ما قد يتطلب من الحكومة الحالية اتخاذ إجراءات لتنشيط الاقتصاد ورفع معدلات النمو ومواجهة التضخم وتراجع قيمة العملة في الوقت ذاته، وتحقيق كل هذه المستهدفات في الوقت ذاته تعتبر مهمة مستحيلة من الناحية الاقتصادية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق