الأحد، مارس ٠٩، ٢٠١٤

الأثرياء يظلون أثرياء.. عوامل استمرار الثروات



تعد عملية تكوين وتراكم الثروة ومن ثم نقلها داخل الأسرة من جيل إلى جيل، أحد الهموم الأساسية للأسر في دول العالم كافة. حيث تسعى الأسر الثرية إلى أن تتأكد من استخدام الوسائل الآمنة لنقل أكبر قدر من الثروة إلى الورثة بالأساليب المناسبة، في الوقت المناسب، والتي تقلل من الاستقطاعات من هذه الثروة إلى أدنى مستوى ممكن.

غالبا ما تتوارث الأسر الغنية أصولها جيلا بعد جيل وتظل تتناقل هذه الثروة لعقود طويلة من الزمن قد تمتد لمئات السنين، فبعد أن يتمكن الجيل الأول من الأسرة من تحقيق اختراق يمكنه من تكوين ثروة ضخمة، فإنه يعمل على وضع أسس استمرار بقاء هذه الأصول داخل نطاق الأسرة وعلى النحو الذي يضمن استمرار تركزها وعدم تفتيتها بين أفراد الأسرة من بعده، بصفة خاصة قد يلجأ الجيل الأول إلى ترك ثروته في صورة أراض زراعية تظل تستغل بواسطة الأسرة وتوزع عوائد الاستثمار بين أفرادها، مع بقاء الأصل ذاته دون توزيع، أو أن يترك ثروته في صورة مجمعات عقارية تدر دخلا سنويا يتم توزيعه على جميع أفراد الأسرة كل بحسب أسهمه في أصل الثروة... إلخ. لذلك هناك اتفاق على أن إبقاء الثروة في الأسرة يتطلب عملية تخطيط مثلى لتوقيت نقل الثروة من جيل إلى جيل سواء عند وفاة المورث أو أثناء حياته، وكيفية نقل هذه الثروة بالسبل المختلفة.

بالنسبة للكثير من الأسر تعد عملية نقل الثروة المتراكمة مسألة مهمة لضمان استمرار المكانة التجارية للأسرة، فبالنظر لعدم التساوي الكبير بين الأسر في حجم الثروة التي تتمتع بها كل أسرة، فإن عملية نقل الثروة بين الأجيال المختلفة للأسرة تعد إحدى الوسائل الأساسية للحفاظ على المكانة الاجتماعية للأسرة، ولذلك غالبا ما ينظر إلى عملية تحويل الثروات بين الأجيال المختلفة للأسرة على أنها أحد الأسباب الأساسية لاستمرار سوء توزيع الدخول والثروة بين أفراد المجتمع، وما يتبعه من انخفاض درجة الحراك الاجتماعي بين الأسر، ولعل هذا أحد الحجج الأساسية وراء ضرورة فرض معدلات مرتفعة للضريبة على المواريث، حيث تقل عملية تركز الثروات بين الفئات الاجتماعية المختلفة في المجتمع، بصفة خاصة وأن بعض الأصول تتسم بأن أسعارها تميل نحو الارتفاع بمرور الوقت مثل المساكن، وهو ما يؤدي إلى تراكم ثروات الأسرة الغنية بمرور الوقت نتيجة ارتفاع أسعار مثل هذه الأصول، الأمر الذي يرفع من قدرة الأسر الغنية على نقل الثروات بين الأجيال مستفيدة من الارتفاعات الكبيرة التي تحدث في أسعار هذه الأصول، بينما يحدث العكس تماما بالنسبة للأسر محدودة الدخل وذلك لتزايد صعوبة امتلاكها لمثل هذه الأصول مع ارتفاع أسعارها، ومن ثم ضعف قدرتها على تحويل الثروة بين أجيالها.

من العوامل التي تساعد على استمرار الثروات داخل الأسرة هو أن أفراد الأسرة لا يرثون أصولا فقط، وإنما أيضا يرثون مهارات وفنون تحقيق عوائد أكبر واقتناص فرص أفضل للاستثمار. الأسر الغنية تؤثر أيضا في أسلوب سلوك وتفضيلات وطموحات وتوقعات أفراد الأسرة، أكثر من ذلك فإن المكانة الاجتماعية للأسرة تمكن أعضاءها من الدخول على شبكة العلاقات الاجتماعية التي تسهل لها أمورها، ومن ثم صفقاتها ورخصها، وأعمالها بشكل عام، وهي بلا شك عوامل مهمة جدا في عملية استبقاء الثروات مرتفعة.

في دراسة لهما عن انتقال الثروات عبر الأجيال توصل Gregory Clark وNeil Cummins إلى أن هناك ارتباطا قويا بين ثروات الأسر عبر خمسة أجيال متتالية في بريطانيا خلال الفترة من 1858 ـــ 2012، أكثر من ذلك وجد أن هناك علاقة ارتباط قوية بين ثروة الأسر الحالية وثروات آبائها وأجدادها، أي أنه إذا كان الجد غنيا، فإن احتمال أن يستمر المنتمون إلى أسرته ضمن الأسر الغنية يصبح كبيرا.

من ناحية أخرى، تكشف الدراسات عن أن استمرار ثروة الأسرة عبر الأجيال يعكس حقيقة ثانية ربما تكون أكثر إثارة من الوضع المادي للأسر، وهو رغبة الأسرة في الحفاظ على مكانتها الاجتماعية ضمن النسيج الاجتماعي للسكان في المجتمع.

ميل الأسر إلى ضمان تركز الثروة واستمرار انتقالها بأمان من جيل لآخر داخل الأسرة يعكس حقيقة مهمة وهي أنه إذا لم تعمل الأسر على ضمان ذلك فإن ثروة الأسرة تميل إلى التراجع بمرور الوقت من جيل إلى آخر بسبب تفتت الثروة بين عدد أكبر من الورثة، وانحسار الآليات التي من خلالها تضمن الأسر استمرار تركز الثروة في الأسرة وللأسرة دون تفتت، لكي تضمن الأسرة انتقال أصولها بأمان إلى الأجيال اللاحقة، وغني عن البيان أن تفتت الثروة بين عدد أكبر من الورثة يؤدي إلى فقدان الأسرة أهم المزايا التي يمكن أن تتمتع بها عند الاستثمار على نطاق واسع، والتي تسلبها فرصة تحقيق عوائد ضخمة ناجمة عن الاستثمار الضخم مستفيدة من وفورات الحجم عند الاستثمار.

إن الأسر التي لا تخطط بشكل جيد لاستبقاء ثروتها ستفقد هذه الثروة سريعا، على سبيل المثال تشير الدراسات إلى أن نحو 60 في المائة من الأسر الغنية تستنزف جانبا كبيرا من عقاراتها بحلول الجيل الثاني، بينما تفقد 10 في المائة من الأسر ثروتها تماما بحلول الجيل الثالث. أكثر من ذلك فمن الممكن أن تستنزف الثروة سريعا بسبب تراخي الرقابة على هذه الأصول، أو نشوء أحفاد مبذرين في الأسرة، أو التوسع السريع في الإنفاق، أو تزايد الاتجاه بين أفراد الأسرة للاستقلال بنصيبهم من ثروة الأسرة أو ما قد تسببه الثروة من تصاعد الخلاف بين أفراد الأسرة بدلا من أن تكون عنصرا لاتحادهم، إلى آخر هذه العناصر، ولكنها في جميع الأحوال تعكس افتقاد الأسرة لقواعد النظام التي تحكم استمرارية تسيير الثروة داخل الأسرة.

بشكل عام فإن أحد أهم العوائق التي تقف دون التحويل الناجح للثروة بين الأجيال هي تفتيت الثروة بين ورثة الأسرة، أما أهم العناصر الخارجية فتتمثل في الضرائب، خصوصا على المواريث والتي قد ترتفع في بعض الحالات لتلتهم جانبا كبيرا من الثروة، أما أسوأ الحالات فتتمثل في تعرض الأسرة لحالات التأميم أو المصادرة من جانب الحكومة.

غير أن استمرار ارتفاع مستويات ثروة الأسرة على الرغم من مرور عدة أجيال عليها مثل أسرة روتشيلد على سبيل المثال، يوحي بأنه غالبا ما يكون لدى الأسر الثرية كود عائلي متفق عليه حول كيفية استثمار ثروة الأسرة، وكيفية استثمار هذه الأصول لمصلحة الجميع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق