الأحد، مارس ٠٩، ٢٠١٤

هل أدت رسوم العمالة إلى زيادة معدلات التضخم في السعودية؟


منذ أكثر من سنة من الآن تم إصدار قرار بفرض رسوم على العمالة الوافدة في السعودية بواقع 2400 ريال في السنة، وقد ثار جدل كبير حول القرار بين مؤيد ورافض له، بصفة خاصة من جانب قطاع الأعمال الخاص ممثلا في مجلس الغرف التجارية، والذي حرص على التأكيد عدة مرات على التأثيرات السلبية المتوقعة للقرار في المملكة، بصفة خاصة تم ادعاء أن القرار سيؤدي إلى ارتفاع في تكلفة المنشآت في القطاع الخاص دون فائدة ترجى منه في رفع نسب السعودة في سوق العمل الوطني، وأن الأثر الأساسي للقرار سينصب على مستويات الأسعار، حيث توقع مجلس الغرف التجارية أن يرفع القرار من معدلات التضخم في المملكة بسبب ارتفاع تكلفة إنتاج السلع والخدمات المنتجة والمقدمة من جانب القطاع الخاص.

عبر أربعة مقالات تم نشرها في "الاقتصادية" تناولت بالتحليل مختلف الجوانب المتوقع أن تحدث مع تطبيق القرار، كان آخرها حول تحليل الآثار المتوقعة للقرار على معدلات التضخم في المملكة، وقد توصلت من التحليل إلى أنه استنادا إلى بيانات مصلحة الإحصاءات العامة في المملكة حول مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي، وإجمالي الرسوم المتوقع تحصيلها من تطبيق القرار، أن التأثير الفعلي للقرار في معدلات التضخم في المملكة سيكون محدودا للغاية، نظرا لأن هناك قيودا على قدرة القطاع الخاص على تحميل المستهلكين بكل زيادة تحدث في التكاليف التي يتحملونها، ولأن إجمالي الرسوم المحصلة لن تمثل سوى نسبة ضئيلة من القيمة المضافة في القطاع الخاص، فضلا عن تأثر معدلات التضخم في المملكة بشكل أساسي بأسعار السلع المستوردة.

اليوم، وبعد مضي أكثر من سنة على القرار، أعود مجددا لتحليل الآثار الفعلية لتطبيق القرار على معدلات التضخم في المملكة، لبيان ما إذا كان تطبيق القرار قد ترتب عليه بالفعل ارتفاعا في الأسعار مثلما توقع مجلس الغرف التجارية؟ أم أن الأثر الفعلي لفرض الرسوم على المستويات العامة للأسعار محدود، كما توقعت في تحليلي عن الآثار المتوقعة للقرار على معدلات التضخم في المملكة؟

لتحليل الأثر الفعلي للرسوم على المستوى العام للأسعار ومعدلات التضخم سنستخدم أحدث البيانات المتاحة من مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات، والمعروضة في الجدول التالي الذي يوضح التطورات الشهرية للأسعار ومعدلات التضخم في المملكة خلال الفترة من كانون الثاني (يناير) 2011 حتى كانون الأول (ديسمبر) 2013.

يتضح من الجدول المرفق أن معدلات التضخم الشهري في المملكة لم تتأثر نتيجة تطبيق قرار الرسوم، بل على العكس، لقد تراجع معدل التضخم في أشهر آذار (مارس) وأيار (مايو) وحزيران (يونيو) وآب (أغسطس) وأيلول (سبتمبر) وتشرين الأول (أكتوبر) وكانون الأول (ديسمبر) في 2013، مقارنة بالأشهر ذاتها في عام 2012، بينما لم يرتفع معدل التضخم سوى في كانون الثاني (يناير) وتموز (يوليو) من العام نفسه وبصورة هامشية. أما متوسط معدل التضخم الشهري في عام 2013 فقد بلغ 0.25 في المائة فقط، والذي انخفض هو الآخر مقارنة بمتوسط معدل التضخم الشهري في عام 2012 والذي بلغ 0.36 في المائة، ونتيجة لذلك مال معدل التضخم السنوي في 2013 نحو التراجع مسجلا 3.3 في المائة، مقارنة بـ 4.3 في المائة في العام السابق.

من ناحية أخرى، فإن مقارنة معدلات التضخم الشهري في 2013 مع معدلات التضخم الشهري في 2011 لم تظهر أيضا أي تحول جوهري في سلوك معدلات التضخم بعد تطبيق الرسوم على العمالة الوافدة، حيث بلغ متوسط معدل التضخم الشهري 0.28 في المائة في عام 2011، في الوقت الذي بلغ فيه معدل التضخم السنوي 3.1 في المائة في العام ذاته.

يتضح من التحليل السابق أن تطبيق قرار فرض الرسوم على العمالة الوافدة في القطاع الخاص لم يؤد إلى رفع المستوى العام للأسعار أو معدلات التضخم، كما ادعت بعض الأطراف في القطاع الخاص، بل على العكس فقد تراجعت معدلات التضخم الشهرية في عام 2013 في معظم أشهر العام، كما لم يترتب على تطبيق القرار أدنى تأثير في معدل التضخم السنوي في 2013، فما حدث جاء على العكس تماما من التوقعات، حيث تراجع معدل التضخم السنوي مقارنة بمعدل التضخم في 2012.

مما سبق يمكن القول بأن التحليل الذي قدمناه في العدد 6990 الذي نشر في 30/11/2012 بعنوان "رسوم العمالة الوافدة في المملكة.. هل تؤدي إلى التضخم؟" والذي كانت خلاصته "أنه ليس من المتوقع أن يؤدي فرض الرسوم على العمالة الوافدة إلى رفع كبير في أسعار السلع والخدمات المقدمة في المملكة" كان صحيحا، وأن آثار فرض الرسوم على تكاليف القطاع الخاص كانت محدودة، لأن إجمالي الرسوم المتوقع تحصيلها وفقا للقرار لا يمثل سوى نسبة ضئيلة من القيمة المضافة للقطاع الخاص، ومن ثم لم يحدث ارتفاع ملموس في أسعار السلع والخدمات المقدمة من جانب هذا القطاع.

ولكن ماذا تعني الخلاصات التي توصلنا إليها في هذا المقال؟ إن هذه الخلاصات تؤكد أنه من الممكن أن تستمر الدولة في رفع معدلات الرسوم على العمالة الوافدة بصورة أكبر، وعلى النحو الذي يجبر المؤسسات المخالفة لقرارات السعودة في القطاع الخاص بأن تلتزم بهذه النسب، إذا ما كانت الرسوم مرتفعة إلى هذا الحد، ذلك أن الرسوم الحالية، كما سبق أن نبهنا إلى ذلك في حينه، تعد محدودة بشكل عام، وليس من المتوقع أن يترتب عليها تغير جوهري في نسب السعودة في سوق العمل السعودي، أو نسبة العاملين من المواطنين في القطاع الخاص، لأن هذه الرسوم يمكن تحملها بسهولة من جانب القطاع الخاص، حيث لا تتجاوز 200 ريال للعامل الواحد شهريا، وهو مبلغ ضئيل جدا كما هو واضح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق