الأحد، مارس ٠٩، ٢٠١٤

الإصلاح المالي في دول مجلس التعاون: ترشيد الدعم

حاولت دول مجلس التعاون أن تنتهج من دولة الرفاه سبيلا لضمان توزيع الثروة النفطية بين عموم الناس بهدف رفع مستويات المعيشة من خلال ضمان توفير السلع والخدمات العامة لجميع المواطنين إما مجانا أو في مقابل رمزي لا يتماشى مع التكلفة الحقيقية للسلعة أو الخدمة التي تقدمها الدولة، وعلى الرغم من أن برامج الدعم قد بدأت بقائمة قصيرة من السلع والخدمات، إلا أنه مع مرور الوقت، وبصفة خاصة مع كل موجة من الفوائض التي تحققها الميزانيات العامة لهذه الدول أخذت الميزانيات التي تخصصها لأغراض دعم السلع والخدمات العامة تميل نحو التزايد عاما بعد آخر، وأصبحت تمثل نسبا جوهرية من الإنفاق العام حاليا في كل دول المجلس. على سبيل المثال تقدم الدولة الخدمات الصحية والتعليمية والإسكانية للمواطن مجانا، كما تقدم دعما سخيا للكهرباء والماء وكذلك للمواد الغذائية الأساسية والوقود بصفة خاصة البنزين، فضلا عن تقديم دعم سخي في مجالات أخرى مثل قطاع الزراعة وإنتاج الثروة الحيوانية، كما يحصل الصناعيون على أشكال مختلفة من الدعم إلى آخر هذه القائمة الطويلة من أشكال الدعم المباشر وغير المباشر وغير المباشر، الذي يقدم للمواطنين وغير المواطنين على نحو سواء.

إن أي سيناريو معقول لتكلفة الدعم على الميزانيات العامة في المستقبل، في ظل المعدلات المرتفعة للنمو السكاني التي تتسم بها دول المجلس جميعا حاليا، سيشير إلى أن التكلفة الضخمة لعمليات الدعم السلعي والخدمي ستكون غير مستدامة على المدى الطويل.

وعلى الرغم من سمو الأهداف التي تسعي سياسات الدعم إلى تحقيقها من رفع لمستويات المعيشة وتحسين مستويات الرفاه لعموم السكان، إلا أن الدعم الذي يقدم حاليا في دول المجلس تتنافى أهدافه كليا مع الأهداف العامة لدعم السلع والخدمات العامة، حيث:

ــــ يقدم الدعم للجميع بغض النظر عن مستويات دخولهم، على سبيل المثال تقوم الدولة بتقديم الكهرباء والماء للغني وللفقير على نحو سواء، مع أنه من المفترض في الدعم أنه تقتصر الاستفادة منه على ذوي الدخول المحدودة فقط، حيث يخشى في حالة تحديد أسعار مثل هذه السلع والخدمات على أساس تكلفتها الحقيقية ألا يتمكن غير القادرين من الحصول على كفايتهم منها الأمر الذي يؤثر سلبا على مستويات معيشتهم، لذلك تقدم مثل هذه السلع مدعمة للتأكد من حصول غير القادرين على احتياجاتهم الأساسية منها.

ــــ من المفترض أيضا ألا يستفيد من مثل هذا الدعم القادرون من السكان، لأن هؤلاء ببساطة يستطيعون وبسهولة دفع التكلفة الحقيقية لمثل هذه السلع أو الخدمات المدعمة.

ــــ على الرغم من أن الهدف الأساسي من الدعم هو ضمان حد أدنى من العدالة في استهلاك السلع والخدمات العامة، فإن الدعم الذي يقدم حاليا يؤدي إلى عدم العدالة بين المواطنين في الدولة، بل وانتهى إلى نتيجة مخالفة تماما للهدف الأساسي منه، حيث أصبح المستفيد الأساسي من الدعم هم القادرون وليس محدودي الدخل وذلك لأن هؤلاء يستهلكون كميات أكبر من السلع والخدمات المدعمة، ومن ثم يستفيدون من الدعم بصورة أكبر من تلك التي تستفيد منها الفئات غير القادرة، على سبيل المثال دعم استهلاك الكهرباء، من المعلوم أن أصحاب الدخول المرتفعة هم الأكثر استهلاكا للكهرباء لأسباب كثيرة منها أن مساكنهم أكبر وأكثر اتساعا وطبيعة الأجهزة المختلفة التي تستهلك الكهرباء التي يشترونها تختلف بصورة كبيرة، في المقابل ينخفض استهلاك محددي الدخل من الكهرباء بسبب القيود على طبيعة المسكن الذي يمكن أن يقيمون فيه، وحجم الأجهزة الكهربائية التي يمكنهم شراءها... إلخ، وهو ما يعني أن تقديم الكهرباء بسعر مدعم للجميع سيحابي القادرين من السكان على حساب محدودي الدخل الذي يجب أن يقتصر الدعم عليهم أصلا، فبما أنهم يستهلكون كميات أكبر من هذه السلع المدعمة، فإنهم يحصلون على دعم أكبر، وهذا يختلف عن الهدف الأساسي من دعم مثل هذه السلع والخدمات، الأمر الذي يتنافى مع اعتبارات العدالة التي تسعى الدولة إلى تحقيقها من سياسة الدعم السلعي.

في ظل هذه الأوضاع لسياسات الدعم فإن استمرار الدولة في تقديم الدعم في صورته الحالية ليس فقط يتنافى مع مبدأ العدالة بين الناس وإنما أيضا لا يحقق الأهداف الأساسية للدعم، حيث تتحمل الميزانيات العامة عشرات المليارات من الدولارات في صورة دعم السلع والخدمات الأساسية لتزيد من درجة الخلل في توزيع الدخل والثروة بين الجماعات المختلفة من المواطنين. لذلك لا بد أن تبحث دول مجلس التعاون عن آليات أفضل لتقديم الدعم بهدف ترشيد الدعم المقدم للمواطنين حتى يحقق الأهداف الحقيقية له وتضمن استفادة الفئات المستهدفة أساسا من الدعم، وتحرم الفئات القادرة من الاستفادة منه، وتنبغي الإشارة إلى أن عمليات ترشيد الدعم لا تستهدف إلغاؤه، وإنما إعادة هيكلته بحيث يحقق الأهداف التالية التي تعزز من كفاءة سياسات الدعم في دول المجلس:

ــــ قصر الدعم على مجموعة محددة من السلع الأساسية للمواطنين وذلك من خلال إعادة النظر في القائمة الطويلة للسلع والخدمات المدعمة، حيث يتم قصر عمليات الدعم على مجموعة منتقاة من السلع الضرورية فقط، ورفع باقي السلع والخدمات من القائمة.

ــــ العمل على توجيه الدعم للمستحقين الحقيقيين للدعم وبصورة مباشرة، وذلك من خلال تسعير السلع والخدمات وبيعها للجميع، القادرين وغير القادرين، بأسعارها السوقية أو بتكلفتها الحقيقية ثم تعويض غير القادرين بصورة مباشرة من خلال تقديم الدعم النقدي المباشر عند مستويات دخليه محددة ليتمكنوا من شراء السلع والخدمات بأسعارها السوقية.

ــــ إيقاف كل أشكال الدعم غير المباشر الذي يستفيد منه جميع المستهلكين بغض النظر عن دخولهم، والذي غالبا ما يترتب عليه استفادة الطبقات القادرة منه بصورة أكبر من الطبقات المستحقة للدعم، لأنه يتنافى أساسا مع الأهداف الأساسية للدعم.

ــــ النظر في إمكانية العمل بنظام الكوبونات التي تصرف للمستحقين للدعم عند مستويات دخليه محددة لتمكينهم من الحصول على احتياجاتهم من السلع الأساسية وبصورة مباشرة من خلال استخدام الكوبونات.

بالطبع لا توجد صيغة محددة للتخلص من عبء الدعم لكن يمكن لدول المجلس استخدام مزيج من هذه الأساليب، حيث تضمن وصول الدعم إلى مستحقيه وتقلل من الاعتمادات المالية الضخمة التي تذهب سنويا لغير المستحقين لها. ذلك أن إصلاح نظام الدعم الحالي يعد مدخلا أساسيا للإصلاح المالي في دول المجلس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق