منذ فترة والحزبان الرئيسان في الولايات المتحدة الجمهوري والديمقراطي في حالة صراع حول قضايا الميزانية والدين العام الأمريكي. تكمن جذور هذا الصراع في اختلاف وجهات النظر حول السياسات المالية للولايات المتحدة المرتبطة بطبيعة الإنفاق العام وحجمة، ولمن يذهب هذا الإنفاق، حيث يفضل الديمقراطيون بشكل عام زيادة مستويات الإنفاق الحكومي بصفة خاصة دعم الإنفاق على الرعاية الصحية وإعانة البطالة وغيرها من أوجه الانفاق التي ترفع مستوى معيشة الفرد الأمريكي، على أن يتم تمويل ذلك الإنفاق بشكل أساسي من خلال رفع الرسوم وزيادة معدلات الضرائب على أصحاب الدخول والثروات المرتفعة من الأمريكيين، وذلك للحد من العجز في الميزانية العامة للدولة وخفض معدلات النمو في الدين الأمريكي العام.
على الجانب الآخر يتبنى الجمهوريون وجهة نظر معاكسة تماما تقريبا، والتي تتمثل في ضرورة تخفيض حجم الدولة من خلال خفض إنفاقها العام، وخصوصا في مجال الرفاه، ويرفضون أن تتم زيادة معدلات الضرائب على الفئات ذات الدخول المرتفعة وأصحاب الثروات بأية صورة، باعتبار أن السبب الرئيس في عجز الميزانية الأمريكية ونمو الدين على النحو الحالي يكمن في ارتفاع حجم الإنفاق العام والذي لا بد من خفضه، ولو بصورة اجبارية للسيطرة على عجز الميزانية ونمو الدين العام.
ينعكس اختلاف وجهات النظر هذه جليا في كل مرة يتم فيها اعتماد الميزانية من كل عام، أو تتم مناقشة قضية رفع سقف الدين الأمريكي من فترة لأخرى، وهو ما أدى إلى خلق أزمات متلاحقة في المناسبات التي تمت فيها مناقشة الأوضاع المالية للدولة أو دينها العام، ولقد ترتب على هذه الأزمات إشاعة حالة من عدم الثقة بين المستثمرين من قطاع الأعمال وهو ما انعكس في ضعف عمليات خلق الوظائف الجديدة في سوق العمل الأمريكي الذي يتحسن بشكل بطيء للغاية مقارنة بالأزمات الاقتصادية السابقة وعلى النحو الذي أصبح فيه التعافي الاقتصادي من الأزمة الحالية هشا. على سبيل المثال فقد أدى الإغلاق الجزئي للحكومة الأمريكية في تشرن الأول (أكتوبر) الماضي، وكذلك تهديد الجمهوريين بعدم رفع سقف الدين في الشهر ذاته، إلى إثارة موجة ذعر في الأسواق وبين حائزي سندات الدين الأمريكي في الداخل والخارج.
هذا الأسبوع تم التوصل إلى شبه اتفاق بين الحزبين حول الميزانية يستمر لمدة عامين وينتهي في 2015 ليمنح الحكومة الأمريكية الوقت الكافي الذي تحتاجه لكي تلتقط أنفاسها قليلا ولتستريح من عناء المعارك المتتالية حول الميزانية والإغلاق الذي كان متوقعا للحكومة الأمريكية في كانون الثاني (يناير) القادم.
عندما نستعرض تفاصيل الاتفاق نلاحظ أنه لا يحمل ملامح جادة لبرنامج فعال للإصلاح المالي في الولايات المتحدة، فالاتفاق في حد ذاته يعتبر صغيرا جدا من حيث القيمة بالنسبة للاقتصاد الأمريكي، حيث لا يتجاوز 85 مليار دولار، ولكنه سيتيح الفرصة للكونجرس للعمل دون أزمات يمكن أن تعرض التعافي الاقتصادي الأمريكي للخطر، على سبيل المثال فإن التعامل مع القضايا الخلافية بين الحزبين مثل الإصلاح الضريبي، أو الضمان الاجتماعي أو برامج الرعاية الصحية كما يطمح الحزبان لم يتم التطرق إليها أو حتى مجرد الاتفاق على كيفية معالجتها، ومع ذلك فإن القيمة الحقيقية للاتفاق تنبع من أنه سيغلق جانبا، ولو بشكل مؤقت، القضايا العالقة حول الميزانية والتي أدت إلى شلل الحكومة الأمريكية في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، ذلك أن الأسواق دائما ما تقع تحت ضغط عوامل عدم التأكد المصاحبة للخطر المستمر للإغلاق، كما أن المستثمرين، بصفة خاصة قطاع الأعمال، من الأكثر تأثرا بمثل هذه الأحداث التي تؤثر بشكل سلبي في مستويات الثقة حول اتجاهات الاقتصاد.
كان الكونجرس قد أصدر قانونا للخفض الإجباري للإنفاق العام بشكل أوتوماتيكي في عام 2011، تم تطبيقه في آذار (مارس) الماضي لتجاوز الهاوية المالية Fiscal Cliff، والمعرف باسم Sequestration، والذي نظر إليه على أنه يفرض خطة تقشف إجبارية على الولايات المتحدة لمدة عقد من الزمن في التوقيت الخطأ، الأمر الذي يؤخر من تعافي النمو في الاقتصاد الأمريكي ويؤثر سلبا في قدرة سوق العمل على فتح المزيد من الوظائف. بمقتضى الاتفاق سيتم استبدال الخفض الإجباري للإنفاق بحزمة تسمح بزيادة الإنفاق في جوانب معينة بنحو 63 مليار دولار سيتم تمويلها من خلال زيادة الرسوم على رحلات الطيران، وزيادة مساهمات العمال الفيدراليين في الضمان الاجتماعي بما في ذلك العسكريون، وكذلك تخفيض الإنفاق على مقدمي الرعاية الصحية لكبار السن مثل المستشفيات بنحو 20 مليار دولار من خلال مد خفض الإنفاق بنسبة 2 في المائة حتى 2022 و2023، بدلا من برنامج الخفض الحالي الذي يوقف الخفض حتى 2021.
كان الديمقراطيون يسعون أيضا نحو إقرار مد بدل البطالة للعاطلين الذين هم في حالة بطالة طويلة الأجل، والذي ينتهي بنهاية هذا العام، ولكن الاتفاق لم يشمل هذا المطلب، مما يعني أن نحو 1.3 مليون أمريكي سيفقدون إعانة البطالة الممنوحة لهم بمقتضى هذا البرنامج الطارئ نتيجة رفض تجديده من جانب الجمهوريين، وما زال القادة الديمقراطيون يحاولون مد بدل البطالة على الأقل لمدة ثلاثة أشهر في ظل استمرار ارتفاع هذا النوع من البطالة بين قوة العمل الأمريكية.
المشكلة الأساسية في تمرير مثل هذا الاتفاق هي أنه لم يتناول اتفاقا حول قضية رفع سقف الدين والتي من المتوقع أن تشعل الخلاف مرة أخرى الربيع المقبل، كما أنه لا يحمل خفضا جوهريا في الإنفاق أو تعديلا لقانون الضرائب يسمح بزيادة الإيرادات العامة وخفض العجز الكبير في الميزانية بما يخفض من معدل نمو الدين بصورة ملموسة، وبالتالي فإن المخاطر المستقبلية للدين الأمريكي مستمرة. الحسنة الوحيدة للاتفاق أنه يفتح المجال أمام التجاوز المؤقت لأخطاء الماضي في التفنن في صنع الأزمات بين الحزبين والتي انعكست بشكل واضح على أداء الاقتصاد الأمريكي في الفترة السابقة، وشعبية الحزب الجمهوري بالذات. تقول الآنسة Murray أحد المشاركات في صياغة الاتفاق إن أزمات الخلاف بين الحزبين حول الميزانية والدين العام أدت إلى نقل الاقتصاد الأمريكي من أزمة إلى أخرى، ومن هاوية إلى الثانية، وهو ما ترتب عليه آثار سلبية انعكست في التعافي الهش للاقتصاد الأمريكي من الأزمة الحالية، وفي أول رد فعل له حول الاتفاق رحب الرئيس الأمريكي بالأنباء مطالبا الكونجرس بإقراره حتى يمكنه توقيعه لكي يتمكن الاقتصاد الأمريكي من الاستمرار في فتح الوظائف دون أن يتعرض لأي رياح معاكسة من الكونجرس.
على الجانب الآخر يتبنى الجمهوريون وجهة نظر معاكسة تماما تقريبا، والتي تتمثل في ضرورة تخفيض حجم الدولة من خلال خفض إنفاقها العام، وخصوصا في مجال الرفاه، ويرفضون أن تتم زيادة معدلات الضرائب على الفئات ذات الدخول المرتفعة وأصحاب الثروات بأية صورة، باعتبار أن السبب الرئيس في عجز الميزانية الأمريكية ونمو الدين على النحو الحالي يكمن في ارتفاع حجم الإنفاق العام والذي لا بد من خفضه، ولو بصورة اجبارية للسيطرة على عجز الميزانية ونمو الدين العام.
ينعكس اختلاف وجهات النظر هذه جليا في كل مرة يتم فيها اعتماد الميزانية من كل عام، أو تتم مناقشة قضية رفع سقف الدين الأمريكي من فترة لأخرى، وهو ما أدى إلى خلق أزمات متلاحقة في المناسبات التي تمت فيها مناقشة الأوضاع المالية للدولة أو دينها العام، ولقد ترتب على هذه الأزمات إشاعة حالة من عدم الثقة بين المستثمرين من قطاع الأعمال وهو ما انعكس في ضعف عمليات خلق الوظائف الجديدة في سوق العمل الأمريكي الذي يتحسن بشكل بطيء للغاية مقارنة بالأزمات الاقتصادية السابقة وعلى النحو الذي أصبح فيه التعافي الاقتصادي من الأزمة الحالية هشا. على سبيل المثال فقد أدى الإغلاق الجزئي للحكومة الأمريكية في تشرن الأول (أكتوبر) الماضي، وكذلك تهديد الجمهوريين بعدم رفع سقف الدين في الشهر ذاته، إلى إثارة موجة ذعر في الأسواق وبين حائزي سندات الدين الأمريكي في الداخل والخارج.
هذا الأسبوع تم التوصل إلى شبه اتفاق بين الحزبين حول الميزانية يستمر لمدة عامين وينتهي في 2015 ليمنح الحكومة الأمريكية الوقت الكافي الذي تحتاجه لكي تلتقط أنفاسها قليلا ولتستريح من عناء المعارك المتتالية حول الميزانية والإغلاق الذي كان متوقعا للحكومة الأمريكية في كانون الثاني (يناير) القادم.
عندما نستعرض تفاصيل الاتفاق نلاحظ أنه لا يحمل ملامح جادة لبرنامج فعال للإصلاح المالي في الولايات المتحدة، فالاتفاق في حد ذاته يعتبر صغيرا جدا من حيث القيمة بالنسبة للاقتصاد الأمريكي، حيث لا يتجاوز 85 مليار دولار، ولكنه سيتيح الفرصة للكونجرس للعمل دون أزمات يمكن أن تعرض التعافي الاقتصادي الأمريكي للخطر، على سبيل المثال فإن التعامل مع القضايا الخلافية بين الحزبين مثل الإصلاح الضريبي، أو الضمان الاجتماعي أو برامج الرعاية الصحية كما يطمح الحزبان لم يتم التطرق إليها أو حتى مجرد الاتفاق على كيفية معالجتها، ومع ذلك فإن القيمة الحقيقية للاتفاق تنبع من أنه سيغلق جانبا، ولو بشكل مؤقت، القضايا العالقة حول الميزانية والتي أدت إلى شلل الحكومة الأمريكية في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، ذلك أن الأسواق دائما ما تقع تحت ضغط عوامل عدم التأكد المصاحبة للخطر المستمر للإغلاق، كما أن المستثمرين، بصفة خاصة قطاع الأعمال، من الأكثر تأثرا بمثل هذه الأحداث التي تؤثر بشكل سلبي في مستويات الثقة حول اتجاهات الاقتصاد.
كان الكونجرس قد أصدر قانونا للخفض الإجباري للإنفاق العام بشكل أوتوماتيكي في عام 2011، تم تطبيقه في آذار (مارس) الماضي لتجاوز الهاوية المالية Fiscal Cliff، والمعرف باسم Sequestration، والذي نظر إليه على أنه يفرض خطة تقشف إجبارية على الولايات المتحدة لمدة عقد من الزمن في التوقيت الخطأ، الأمر الذي يؤخر من تعافي النمو في الاقتصاد الأمريكي ويؤثر سلبا في قدرة سوق العمل على فتح المزيد من الوظائف. بمقتضى الاتفاق سيتم استبدال الخفض الإجباري للإنفاق بحزمة تسمح بزيادة الإنفاق في جوانب معينة بنحو 63 مليار دولار سيتم تمويلها من خلال زيادة الرسوم على رحلات الطيران، وزيادة مساهمات العمال الفيدراليين في الضمان الاجتماعي بما في ذلك العسكريون، وكذلك تخفيض الإنفاق على مقدمي الرعاية الصحية لكبار السن مثل المستشفيات بنحو 20 مليار دولار من خلال مد خفض الإنفاق بنسبة 2 في المائة حتى 2022 و2023، بدلا من برنامج الخفض الحالي الذي يوقف الخفض حتى 2021.
كان الديمقراطيون يسعون أيضا نحو إقرار مد بدل البطالة للعاطلين الذين هم في حالة بطالة طويلة الأجل، والذي ينتهي بنهاية هذا العام، ولكن الاتفاق لم يشمل هذا المطلب، مما يعني أن نحو 1.3 مليون أمريكي سيفقدون إعانة البطالة الممنوحة لهم بمقتضى هذا البرنامج الطارئ نتيجة رفض تجديده من جانب الجمهوريين، وما زال القادة الديمقراطيون يحاولون مد بدل البطالة على الأقل لمدة ثلاثة أشهر في ظل استمرار ارتفاع هذا النوع من البطالة بين قوة العمل الأمريكية.
المشكلة الأساسية في تمرير مثل هذا الاتفاق هي أنه لم يتناول اتفاقا حول قضية رفع سقف الدين والتي من المتوقع أن تشعل الخلاف مرة أخرى الربيع المقبل، كما أنه لا يحمل خفضا جوهريا في الإنفاق أو تعديلا لقانون الضرائب يسمح بزيادة الإيرادات العامة وخفض العجز الكبير في الميزانية بما يخفض من معدل نمو الدين بصورة ملموسة، وبالتالي فإن المخاطر المستقبلية للدين الأمريكي مستمرة. الحسنة الوحيدة للاتفاق أنه يفتح المجال أمام التجاوز المؤقت لأخطاء الماضي في التفنن في صنع الأزمات بين الحزبين والتي انعكست بشكل واضح على أداء الاقتصاد الأمريكي في الفترة السابقة، وشعبية الحزب الجمهوري بالذات. تقول الآنسة Murray أحد المشاركات في صياغة الاتفاق إن أزمات الخلاف بين الحزبين حول الميزانية والدين العام أدت إلى نقل الاقتصاد الأمريكي من أزمة إلى أخرى، ومن هاوية إلى الثانية، وهو ما ترتب عليه آثار سلبية انعكست في التعافي الهش للاقتصاد الأمريكي من الأزمة الحالية، وفي أول رد فعل له حول الاتفاق رحب الرئيس الأمريكي بالأنباء مطالبا الكونجرس بإقراره حتى يمكنه توقيعه لكي يتمكن الاقتصاد الأمريكي من الاستمرار في فتح الوظائف دون أن يتعرض لأي رياح معاكسة من الكونجرس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق