الجمعة، أغسطس ٠٧، ٢٠٠٩

لقاء مع جريدة الجريدة

عذرا عزيزي القارئ، هذا اللقاء نشر في 28/7/2009، ولم اقم بإدراجه سهوا.
السقا لـ الجريدة: ملامح كويت ما بعد النفط ستظل مبهمة وهذا أمر مخيف مجموع أصول صندوق الأجيال القادمة والاحتياطي العام لا يكفي الكويت أكثر من 5 سنوات
إعداد: خالد الخالدي
k.alkhaldi@aljarida.com
وصف السقا الكويت ما بعد النفط بـ'العبارة المرعبة'، وقال لا أرى على الساحة أي استعداد من أي نوع أو بأي صورة لهذه الحقبة، فالكويت لم تنجح حتى الآن في وضع خطة للتنمية، ولا توجد استراتيجية واضحة تحدد ملامح اقتصادها عندما ينضب النفط، متسائلاً ماذا ستنتج الكويت أو تتبادل مع العالم لكي تولد دخولاً تكفي لتأمين مستويات الرفاهية التي تعيشها حالياً؟

قال وزير المالية القطري يوسف كمال، إن بلاده ستسير قدماً في مشروعها للاستغناء عن اعتماد موازنتها على إيرادات النفط والغاز بحلول عام 2020، من جهة أخرى طالب وزير الطاقة القطري عبدالله العطية من الدول الخليجية بالاستعداد لمرحلة ما بعد نفاد النفط والقيام بعمل استراتيجيات لمرحلة ما بعد نضوب تلك المادة غير المتجددة، خصوصاً في ضوء تحذير تقارير اقتصادية من نضوب النفط بعد 42 عاماً. هذه بعض الدعوات من دول الخليج التي تتشابه مع الكويت من خلال اعتمادها على مصدر النفط، بالإضافة إلى بعض الدول التي بدأت الخطوات الأولى للتقليل من اعتمادها على النفط. هذا في دول الخليج، ولكن ماذا عن دولة الكويت هل هناك بوادر للتقليل من الاعتماد على النفط الذي ترتكز عليه ميزانية الدولة بنسبة أكثر من 95 في المئة، وهل رسمت ملامح الكويت ما بعد نضوب النفط، وهل يمكن الاستغناء عن النفط في ظل الأوضاع الحالية؟

هذه الاسئلة توجهنا بها إلى أستاذ الاقتصاد بجامعة الكويت أ.د محمد السقا، الذي أكد أنه لا يمكن الاستغناء بأي صورة من الصور في الوقت الحالي عن الإيرادات النفطية، فمازالت تمثل العمود الفقري للناتج والدخل في دول مجلس التعاون ومن بينها الكويت، وأي تدهور في أداء القطاع النفطي ينعكس بصورة مباشرة في الأداء الاقتصادي العام، مشيراً إلى أنه لكي تستغني دول مجلس التعاون عن الإيرادات النفطية فلابد أن يكون لديها بديل جاهز يوفر كمية كافية من الدخل بحيث تحافظ على مستويات المعيشة للسكان على الأقل عند مستوياتها الحالية إن لم يكن أفضل. وليس هناك حالياً في دول مجلس التعاون بشكل عام ما يمكن أن نسميه أنه يستطيع الاستغناء عن النفط.

أما في ما يتعلق بمطالبة وزير النفط القطري بالاستعداد لمرحلة ما بعد نفاد النفط والقيام بعمل استراتيجيات لمرحلة ما بعد نضوبه قال السقا: 'إنه أمر في غاية الأهمية'، موضحاً أنه يمثل الفرق بين الاستعداد للاستمرار كدول ذات مستويات رفاه مرتفعة، وبين الانتظار لمواجهة مستقبل غير محدد الملامح، ستواجهه الأجيال القادمة وفي غضون فترة زمنية قصيرة.
وأضاف أن دول مجلس التعاون تأخرت كثيراً في الاستعداد لمرحلة ما بعد النفط ورسم الاستراتيجيات المناسبة لهذه الفترة، فالوقت الذي يفصلها بين توقيت نضوب النفط أو ربما تحوله إلى مصدر غير ذات قيمة إذا توصل العالم إلى بديل له، وهو يعمل حثيثاً في سبيل ذلك، أصبح قصيراً جداً. وبناء تسهيلات إنتاجية بديلة وتحقيق مزايا تنافسية فيها أمر يحتاج إلى وقت طويل، ولكن للأسف هذه الدول تهدر الوقت اعتماداً على أن أوضاعها المالية الحالية مريحة وليس هناك داع للعجلة وشد الحزام لمواجهة مخاوف المستقبل.

إهدار الثروة
وعما إذا كانت دول الخليج ارتكبت أخطاء في طفرة أسعار النفط المرتفعة السابقة لعدم اتجاهها إلى الاستثمار الحقيقي، أشار السقا إلى أنه في الطفرات الأولى لم يكن أمام دول الخليج خلالها من خيار سوى البدء ببناء بنيتها التحتية مثل المدارس والمستشفيات والطرق والمطارات وخطوط الكهرباء والمياه... إلخ، وتحويل دولها إلى دول عصرية وحديثة، وقد نجحت دول مجلس التعاون إلى حد بعيد في ذلك، مشيراً إلى أن استراتيجيات التنمية التي اتبعتها دول المجلس لم ترتكز على تنمية ثرواتها الطبيعية واستثمارها في تسهيلات إنتاجية بديلة، بل على العكس من ذلك تم إهدار جانب كبيرة من الثروة من خلال برامج الرفاه الاجتماعي، والتي رفعت من معدلات الاستهلاك الفردي إلى مستويات مرتفعة في ظل سيادة نمط استهلاكي، في الوقت الذي انخفضت فيه معدلات الادخار الفردي بشكل واضح. مثل هذه الخصائص تعد ضارة جداً بعملية التنمية.

وأوضح أن الدولة تحولت إلى الموظف الأساسي لقوة العمل والمقدم الرئيسي لكل الخدمات، والمصدر الرئيسي للدخل. كان من المفترض أن يقوم القطاع الخاص بالدور الأساسي في عملية التنمية، مثلما كان هو الحال عليه قبل النفط، إذ سيطرة الدولة على عناصر الإنتاج تؤدي إلى هدر كبير في الموارد، مضيفاً أن الدولة ليست مديراً كفؤا للموارد، وهذا ليس في دول الخليج فقط، وإنما في كل أنحاء الأرض، مطالباً بإعادة رسم دور الدولة في الحياة الاقتصادية، وإطلاق المجال للمبادرات الخاصة في كل المجالات بعيداً عن تعقيدات الروتين الحكومي، في ظل بيئة أعمال تنافسية وهيكل تشريعي يشجع تدفقات الاستثمار الأجنبي.

تجارب محدودة
وأكد السقا أن التجارب الخليجية لهجرة النفط محدودة، مشيراً إلى تجربة الإمارات العربية المتحدة بالتحول إلى دول تلعب فيها الخدمات السياحية الدور الرئيسي، حيث نجحت إمارة دبي في ذلك بشكل واضح، مع أن الإمارة تعاني الآن تراجعاً واضحاً بسبب الأزمة العالمية، إلا أن الأوضاع سوف تعود إلى طبيعتها مرة أخرى بعد زوال الأزمة، موضحاً أن التجربة الإماراتية تتعرض حالياً للكثير من أوجه الانتقاد، إلا أن هذه الانتقادات ليست في محلها، فما حققته إمارة دبي على سبيل المثال أشبه بمعجزة، مناخ الأعمال في دبي يحتاج حالياً إلى التركيز بصورة أكبر على الاقتصاد الحقيقي واستمرار البحث عن مزايا مكتسبة أكثر لتنويع مصادر دخلها.

وقال إن المملكة العربية السعودية بدأت انطلاقة صناعية جديدة في عهد الملك عبدالله، مشيراً إلى أنه ربما نرى تطوراً واضحاً في هيكل الدخل في المملكة مع استكمال مشروعاتها ومدنها الصناعية.

وفي ما يتعلق بتجربة البحرين قال: 'تجربتها في المجال المالي أيضاً تجربة جيدة، لكن من الواضح أن هناك تراجعاً في الدور الذي تلعبه البحرين في هذا المجال'، مضيفاً أن نمو مراكز مالية من حولها استطاعت أن تسحب البساط جزئياً من تحت أقدامها، سواء في الصيرفة التقليدية في الإمارات، أو الإسلامية في الكويت، في ما عدا هذه الحالات لا نستطيع أن نقول إن هناك ملامح واضحة لهجرة النفط في دول مجلس التعاون.

ووصف السقا الكويت ما بعد النفط بـ'العبارة المرعبة'، وقال لا أرى على الساحة أي استعداد من أي نوع أو أي صورة لهذه الحقبة، فالكويت لم تنجح حتى الآن في وضع خطة للتنمية، ولا توجد استراتيجية واضحة تحدد ملامح اقتصادها عندما ينضب النفط، متسائلا ماذا ستنتج الكويت أو تتبادل مع العالم لكي تولد دخولاً تكفي لتأمين مستويات الرفاهية التي تعيشها حاليا؟ وماذا ستفعل أجيال المستقبل؟ أين سيعملون وماذا سينتجون؟ وكيف لهم بسبل المعيشة التي نحياها حاليا؟ مؤكداً أنه لا أحد يملك إجابة عن هذه الأسئلة.

وأضاف أن ما يتم اتخاذه حالياً هو أن نستقطع جانباً من إيرادات الدولة لمصلحة صندوق الأجيال القادمة، وأن يذهب فائض الإيرادات العامة إلى صندوق الاحتياطي العام، علماً بأن مجموع أصول صندوق الأجيال القادمة وصندوق الاحتياطي العام لا يكفي الكويت بمستويات إنفاقها الحالي أكثر من 5 أو 6 سنوات، فهل هذا يمثل استعداداً كافياً للمستقبل؟ مؤكداً أنه إذا لم ترسم استراتيجيات واضحة لحقبة ما بعد النفط، فإن ملامح كويت ما بعد النفط ستظل مبهمة، وهذا أمر مخيف.

الكويت وسنغافورة
وقال السقا إنه لحسن حظ الكويت أنها تختلف عن الدول النامية الأخرى في أن لديها رصيداً جيداً جداً من الموارد، الذي يمكنها من أن تتبنى استراتيجيات تنموية جريئة لتدخل بها حقبة ما بعد النفط، مشيراً إلى أن الكويت في حاجة إلى تقييم علمي وسليم لقدراتها والمزايا التي تتمتع بها، والمزايا التي يمكن أن تكتسبها والفرص التي يمكن أن تطورها لكي ترسي لها دوراً في التبادل العالمي بعيداً عن النفط.

وتساءل السقا ما الذي يمكن أن تفعله دولة صغيرة مثل الكويت؟ فقال: 'هناك أشياء كثيرة جداً'، ومثال على ذلك سنغافورة بلد صغير جداً، يمثل 4 في المئة من مساحة الكويت، ومع ذلك أصبح في مصاف أعلى دول العالم دخلا، وهذا لا يعني أن شعب سنغافورة مبدع وأننا لسنا كذلك، ففي الكويت أيضاً مبدعون لو وضعوا على الطريق الصحيح، ورسمت لهم السبل السليمة للوصول إلى ذلك.

واختتم السقا حديثه قائلا: 'كويت ما بعد النفط يجب أن يصبح شعاراً وطنياً نلقنه لأطفالنا منذ الحضانة، ويسعى الجميع إلى الإبداع فيه، حيث نحتاج إلى وحدة لتخطيط المستقبل على أعلى مستوى تستقطب أعلى المهارات العالمية في هذا المجال، لتقوم بتحليل مواطن القوة ونقاط الضعف التي نعانيها، ثم ترسم خطط البناء على مواطن قوتنا ومواجهة نقاط ضعفنا، ثم التعامل مع الفرص التي يتيحها موقعنا داخل منطقة الخليج وفي هذا الإقليم من آسيا، ثم العالم بأسره، في ظل رؤية واضحة وسليمة، تدعمها بيئة أعمال سليمة وكيان تشريعي مشجع'. باختصار مشروع كويت ما بعد النفط ينبغي أن يكون 'المشروع الوطني الأول'.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق