الأحد، أغسطس ٠٩، ٢٠٠٩

متى تخرج الكويت من الأزمة الاقتصادية الحالية

نشر في جريدة القبس يوم الاثنين 10/8/2009
من الواضح أن الكويت كانت من أكثر الدول النفطية تأثرا بالأزمة المالية العالمية، حيث انعكست معدلات النمو الاقتصادي بصورة واضحة، وتدهورت قيمة الأصول فيها بشكل جوهري سواء بالنسبة لثروة القطاع العائلي، أو حتى بالنسبة لمحفظة الأصول السيادية العامة، وقد ساعد على تعمق أثر الأزمة ردود فعل السياسة غير الملائمة بصفة خاصة بالنسبة للسياسة المالية، والتي يعول عليها أساسا في أوقات الأزمات لتحفيز مستويات النشاط المحلي من خلال تنشيط الطلب الكلي. فبدلا من أن تتبنى الكويت سياسات مالية توسعية، قابلت الكويت الأزمة بميزانية انكماشية، أدت إلى التأثير بشكل واضح على القطاع غير النفطي، بصفة خاصة من خلال التأثير على التوقعات، في ظل تدهور مؤشرات سوق المال.


وبصفة عامة يأتي تأثير الأزمة المالية على الكويت أساسا من تأثر أوضاعها الاقتصادية الخارجية وتراجع أسعار النفط، المصدر الرئيس للدخل بالتبعية، صحيح أن الأزمة قد كشفت عن أوضاع سيئة كان القطاع المالي في الكويت غارقا فيها، إلا أن تأثير تلك الأوضاع انكشف أساسا بسبب الأزمة وليس بسبب تلك الأوضاع. الأزمة المالية في الكويت ليست إذن صناعة محلية، ومن ثم فإننا لن نستطيع الحكم على ما إذا كانت الكويت قد تجاوزت الأزمة المالية العالمية قبل أن تجتاز دول العالم الصناعي والدول الرئيسية الناشئة الأزمة المالية، وبصفة خاصة الولايات المتحدة الأمريكية (مركز الأزمة) تلك الأزمة. عندما يجتاز العالم الصناعي والدول الناشئة الأزمة المالية العالمية سيعاود النمو في النشاط الاقتصادي مستوياته الطبيعية قبل الأزمة، وهو ما يحفز من مستويات الطلب على النفط ليعود إلى معدلاته المرتفعة مرة أخرى، ومن ثم ترتفع مستويات أسعار النفط الخام، الأمر الذي سوف ينعكس إيجابا على إيرادات الكويت من الصادرات النفطية. هذا التحول سوف يحدث اثرين ايجابيين جوهريين على اقتصاد الكويت يساعدانها على اجتياز الأزمة بسرعة وهما:


الأول هو إعادة تعبئة الإيرادات العامة للدولة، مما سيشجع الحكومة على وضع خطط إنفاق أوسع، بصفة خاصة فيما يتعلق بالإنفاق الاستثماري العام اعتمادا على الإيرادات المرتفعة من النفط، وهو ما يمكن الكويت من تبني برامج توسعية للإنفاق العام لكي تحفز مستويات النشاط الاقتصادي المحلي بصفة خاصة في القطاع غير النفطي.


الثاني هو دعم التوقعات التفاؤلية حول اتجاهات النشاط الاقتصادي المحلي، وهو ما سينعكس على أسعار الأصول، بصفة خاصة أسعار الأسهم وأسعار الأصول العقارية. وعندما يحدث ذلك سوف تتزايد مستويات الاستثمار الخاص مدفوعة بالتوقعات التفاؤلية من ناحية وبارتفاع قيمة الأصول التي يمكن ان تقدم كرهون للقروض اللازمة لأغراض الاستثمار من ناحية أخرى، أكثر من ذلك فان تدعم أسعار الأسهم في البورصة سوف يشجع الشركات على المزيد من الاستثمار وزيادة رؤوس أموالها نظرا لانخفاض تكلفة التوسع الرأسمالي في ظل ارتفاع أسعار الأسهم، وهو ما يعرف بأثر بمعامل Q، وخصوصا إذا صاحب ذلك إتباع سياسات نقدية ملائمة.


باختصار علينا إذن انتظار الأخبار الجيدة عن اقتصاديات العالم الصناعي قبل أن نتحدث عن أي تجاوز لأثر الأزمة المالية العالمية على اقتصاد دولة الكويت. لحسن الحظ فإن التدفقات الحديثة للمعلومات المتاحة، بصفة خاصة من الولايات المتحدة الأمريكية، تدعم وجهة النظر التفاؤلية السائدة في العالم حاليا بان نقطة التحول في مسار الكساد العالمي قد بدأت في العمل، وان المؤشرات الأساسية مثل معدلات النمو في الناتج المحلي الإجمالي والبطالة في تحسن، وبصورة تفوق التوقعات. ولكن لماذا الاقتصاد الأمريكي بالذات؟ الإجابة ببساطة هي أن الاقتصاد الأمريكي هو اكبر اقتصاد في العالم، ومن ثم يعد الاقتصاد الرائد في الاتجاهات العالمية للنشاط الاقتصادي، وتشير دروس التاريخ الاقتصادي الحديث للأزمات الاقتصادية أن الاقتصاد الأمريكي كان دائما ما يمثل مركز الأزمة، أي أن الأزمات تبدأ منه، كما أن خروج الاقتصاد العالمي من الأزمات يبدأ عندما تخرج الولايات المتحدة من الأزمات. معنى ذلك أن الاقتصاد الأمريكي هو مفتاح بداية الأزمة ومفتاح الخروج منها.


في الأول من أغسطس أعلن مكتب التحليل الاقتصادي الأمريكي مراجعته المكثفة لبيانات الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة في الربع الثاني من هذا العام، ووفقا للمكتب فإن معدل انخفاض النمو في الناتج في الربع الثاني من هذا العام قدر بـ 1% فقط مقارنة بانخفاض في معدل النمو قدره 6.4% في الربع الأول من هذا العام وهو تطور هام جدا، ويعزز التوقعات بأن مسار الكساد الحالي في الولايات المتحدة يأخذ شكل حرف V، أي انخفاض حاد في النشاط الاقتصادي، يعقبه ارتفاع سريع في معدلات النمو، وقد كان من المتوقع أن يكون انخفاض معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي في الربع الثاني من هذا العام بحوالي 1.4%، مما يعني أن المحقق من معدلات النمو في الناتج المحلي الأمريكي كان أفضل من المتوقع. صحيح أن معدلات نمو بعض مكونات الإنفاق المحلي الأمريكي وفقا للبيانات التفصيلية لمكتب التحليل الاقتصادي جاءت غير موائمة، بصفة خاصة فيما يتعلق باتجاهات الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري، إلا أن استمرار تحسن معدلات النمو الاقتصادي سوف ينعكس إيجابا على تلك المؤشرات بسرعة، ومع ذلك فإنه حتى بالنسبة لمكونات الإنفاق فإن تراجع معدلات النمو في تلك المؤشرات جاءت أفضل من المتوقع.


كذلك نشرت وزارة العمل في الولايات المتحدة في السابع من هذا الشهر آخر المعلومات عن معدل البطالة في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد حمل ذلك مزيدا من الأخبار السارة عن سوق العمل الأمريكي حيث تراجع معدل البطالة لأول مرة منذ ابريل 2008 في الولايات المتحدة، وذلك من 9.5% إلى 9.4% خلال يوليو من هذا العام، الأمر الذي دفع بالرئيس الأمريكي أوباما إلى التصريح بأن الولايات المتحدة أصبحت ترى نهاية النفق، وان سياسات التحفيز الاقتصادي التي اتبعها قد بدأت تؤتي أوكلها.


بالنسبة لي الأخبار الجيدة لا بد وأن تستمر على نفس المنوال لفترة زمنية أطول حتى تزداد ثقتنا بأن الأسوأ في الأزمة ربما قد يكون أصبح وراء ظهورنا، نحتاج إذن إلى أن ننتظر فترة أطول لنرى الاتجاه العام الايجابي للمؤشرات الاقتصادية لكي نحكم بالفعل على ما إذا كان الكساد الذي تعاني منه الولايات المتحدة قد انتهى أم لا، ومما لا شك فيه أن انعكاس تراجع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي مؤشر مهم، لكن لا بد من أخذ كافة المؤشرات الاقتصادية الأخرى في الاعتبار للحكم على مدى انعكاس اتجاه الأزمة، بصفة خاصة بالنسبة لتطورات أوضاع القطاع المالي في الولايات المتحدة. هذه المؤشرات ما زالت أولية ولا تجزم بانتهاء الكساد وبدء انتعاش النشاط الاقتصادي فقد حدثت اتجاهات مماثلة أثناء الكساد العالمي الكبير (1929-1936)، ما زلنا في حاجة إلى المزيد من تلك الأخبار حتى تتدعم ثقتنا في اتجاهات النشاط الاقتصادي الأمريكي. إذا استمرت المؤشرات الحالية على هذا النحو، على الأقل في المستقبل القريب، فان ذلك سوف يعزز التوقعات الحالية ببدء انتهاء الأزمة الاقتصادية وخروج الاقتصاد الأمريكي من حالة الكساد، ومن ثم انتهاء الأزمة بالنسبة لهم وبالطبع بالنسبة لنا.


إذا استمرت الاتجاهات الحالية على هذا المنوال وبدأ الاقتصاد الأمريكي في الخروج من الأزمة، فمتي يخرج الاقتصاد الكويتي منها؟ هذا السؤال هام للغاية، ويصعب أيضا الإجابة عليه، ولكن تنبغي الإشارة إلى أن خروجنا من الأزمة في الكويت سوف يتأخر قليلا نظرا لديناميكيات عمل اقتصادنا المحلي الذي يعتمد أساسا على الإيرادات النفطية. إذ يجب أولا أن تتحسن أوضاع سوق النفط، بما ينعكس على نمو الإيرادات من صادرات النفط الخام، بحيث تحقق الكويت فائضا واضحا في الميزانية العامة الدولة، ثم تبدأ عمليات تحفيز النشاط الاقتصادي بفعل زيادة الإنفاق سواء أكان العام أو الخاص، وهو أمر ليس من المتوقع أن يتم قبل أن تنعكس أوضاع سوق النفط الخام بصورة جوهرية.

هناك تعليقان (٢):

  1. الازمة العالمية رغم سيئاتها إلا انها كشفت للعالم مدى تدهور الرقابة على الشركات
    فلقد فضحت الكثير من الشركات التي تقوم على بيع الاوهام للناس
    وساهمت في كشف الكثير من المتلاعبين والمختلسين
    مثل مادوف في امريكا والصانع في السعودية

    ردحذف
  2. كلامك صحيح لقد كشفت الأزمة عن أن القطاع المالي كان يعيش في حالة فوضى حيث يعيث قادة هذا القطاع الفساد فيه بدون مراعاة لأية قواعد أو نظم للسلامة، ولذلك حدث ما ترى.

    ردحذف