الاثنين، أغسطس ١٧، ٢٠٠٩

كيف يسمح ببيع البنزين في قنينة في الكويت

نشر في جريدة القبس بتاريخ الثلاثاء 18/8/2009
عندما كنت أقوم بدراسة الدكتوراه في المملكة المتحدة في الثمانينيات من القرن الماضي احتجت إلى بعض البنزين لكي أنظف به بعض الأشياء، وبالفعل في أحد أيام عطلة الأسبوع أخذت قنينة وركبت السيكل وذهبت إلى محطة بيع الوقود المجاورة، فإذا بي أفاجأ بمسئول المحطة يخبرني بأن بيع الوقود خارج نطاق تعبئة السيارات ممنوع، شرحت له الأمر وبأنني في حاجة إلى هذه المادة لأنظف بعض الأشياء في المنزل، فرفض رفضا قاطعا مجرد النقاش في الموضوع. تعجبت من هذا السلوك غير المبرر، من وجهة نظري، وتوجهت إلى محطة بنزين ثانية وثالثة، ولا أذكر بالضبط كم عدد محطات بيع الوقود التي ذهبت إليها، ولكنني في النهاية عدت إلى المنزل خاوي اليدين بعد أن رفضت كافة محطات الوقود التي ذهبت إليها أن تبيعني بنزينا لا يصب في تنك السيارة. سلمت أمري إلى الله واعتبرت الأمر تعسفا لا مبرر له، بل وغباءا من محطات بيع الوقود، ودعوت الله بالرحمة على محطات بيع الوقود في مصر على الأقل لأنها لا تتمتع بهذا القدر من الغباء.

كنت قد نسيت تلك القصة التي حدثت لي منذ ربع قرن تقريبا، حتى قرأت تفاصيل فاجعة حريق العرس التي حدثت في الجهراء وأودت بحياة 43 ضحية حتى الآن. فوفقا لوزارة الداخلية اعترفت طليقة المعرس السابقة بأنها هي التي قامت بإحراق خيمة العرس بعد أن أضرمت النار في الخيمة انتقاما من المعرس الذي كان زوجها سابقا، وأنها أشعلت الحريق من خلال شراء بنزين في قنينة بمبلغ 100 فلس (حسب ما ورد في جريدة القبس اليوم 17/8/2009)، من إحدى محطات بيع الوقود ثم قامت بسكب البنزين على الخيمة وأشعلت فيها النار، والتفاصيل الأخرى طبعا معلومة. فقط 100 فلس هي كل ما احتاجته تلك المرأة لكي تحدث مأساة إنسانية مروعة وآلاما هائلة لأسر ضحايا أبرياء، لا يعلم مداها إلا الله.

عندما قرأت تفاصيل الحادث المروع تذكرت قصة محاولتي شراء البنزين في قنينة في بريطانيا، وفطنت لأول مرة إلى السبب الحقيقي الذي يمنع محطات الوقود في الخارج من أن تبيع الوقود خارج نطاق استعمال السيارات، وأدركت أن مسئول محطة الوقود كان محقا تماما عندما رفض أن يبيعني هذه المادة الخطرة في قنينة، والآن أنا أشكره، إذا كان على قيد الحياة، على رفضه القاطع أن يبيعني البنزين. البنزين كما يعلم الجميع مادة سريعة الاشتعال وتحدث آثارا مادية مدمرة إذا ما استخدمت في إضرام حريق، وعندما نسمح ببيع هذه المادة الخطرة بصورة حرة، كما حدث مع طليقة المعرس السابقة، فإننا نكون بمثابة الذي يسمح ببيع الديناميت للناس بصورة حرة وبدون أي قيود.

بيع البنزين السائب يعد إذن ثغرة من ثغرات عمل محطات بيع الوقود، وحادث الجهراء يوضح بصورة جلية ماذا يمكن أن يترتب عليه من آثار مدمرة، والله وحده يعلم كم حريق تم إشعاله في الكويت بطريقة مماثلة. أعتقد أن الوقت قد حان الآن لكي تقوم وزارة التجارة بتشديد الرقابة على عمليات بيع هذه المادة الخطرة خارج نطاق تعبئة السيارات، وأن تتخذ إجراءات صارمة تحول دون بيع البنزين خارج نطاق تعبئة السيارات، وأن يوقع كل من يقوم بشراء الوقود خارج نطاق تعبئة السيارات على مستند أمني خاص مصحوبا بالمعلومات المفصلة عنه وعن مكان إقامته والغرض الذي سيتم استخدام البنزين فيه .. الخ، للحيلولة دون وقوع مثل هذه الحوادث المؤسفة. أعتقد أن هذه الخطوة هي أقل اعتذار يمكن تقديمه لأسر الضحايا عن ثغرة بسيطة في القانون، لكنها للأسف أودت بحياة 43 ضحية حتى هذه اللحظة. مع بالغ عزائي لأسر الضحايا ودعواتي إلى الله أن يخفف عنهم وأن يرحم ذويهم وأن يأجرهم في مصيبتهم وأن يحشر أحباءهم مع الشهداء والصالحين إنه سميع مجيب الدعاء.

هناك ٤ تعليقات:

  1. هذا تعسف ماله داعي
    انا اشتري بنزين اكثر من مره في قاروره
    شلون تنقل بنزين حق واحد خالص البنزين من سيارته ؟
    هوز و تشفط ؟

    ردحذف
  2. شكرا على تعليقك. لا أتفق مع حرية بيع البنزين، هذه المادة الخطيرة، نحن في حاجة الى التفكير بصورة أكبر حول سبل تقنين بيع البنزين خارج تنك السيارة، وتقنين طريقة استخدامه، وايجاد حلول لمثل الحالة التي ذكرتها، ولكن بصورة تحول دون احتمال تحقق مثل هذه المآسي. من المؤكد أنه لو كانت هذه القيود موجودة، لما تمكنت هذه المرأة من تنفيذ تلك الجريمة بهذه السهولة، وكذلك لما كان من الممكن ان يندلع حريق بهذه السرعة ليحقق هذه الخسائر البشرية الهائلة. أعتقد أن الموضوع في حاجة الى أن يدرس بصورة أفضل.

    ردحذف
  3. صدقني لو ما قدرت تشتري بانزين كان استعملت ماده أخرى سريعه الاشتعال.
    مو هذي المشكله, المشكله من الاساس بالعقليه التي تتمتع فيها هذه المرأه التي اختارت ان تعاقب جميع المعازيم بدل ان تعاقب الزوج فقط.

    ردحذف
  4. والله يا أخي لم أجد في مملكة الحيوان من يمكن يقبل أن يشبه نفسه بهذه التي فعلت تلك الفعلة. والله أنا أتعجب أي نوع من البشر هذه، هذه التي تدعي أن زوجها عاملها بصورة سيئة، لبعض الوقت، كيف تسمح لنفسها أن تعذب أناسا ابرياء تشوهوا تماما كل الوقت المتبقي لهم من عمرهم، حيث سيعيشون بقية عمرهم هكذا مشوهين، ترى ما هو الاحساس النفسي الذي سيسيطر عليهم كلما نظروا في المرآة، والله شيئ يتفطر له القلب، ماذنت طفل او طفلة صغيرة تستعد لكي تبدأ حياتها ان تخوض هذه التجربة النفسية الرهيبة للأسف طوال فترة حياتها حين تعيش في المجتمع مشوهة كليا أو جزئيا ما ذنبها، ماذا فعلت لكي تدفع هذا الثمن الرهيب.
    ما ذنب الزوج الذي فقد زوجته، او البنت أو الابن الذي فقد امه غدرا أو الام التي فقدت ابنتها أو الأخ الذي فقد أخته، انه مسلسل رهيب من العذاب، أي ذنب اقترفه هؤلاء الأبرياء سوى أنهم لبوا دعوة بريئة للفرح الذي انقلب الى مأتم جماعي. كان الله في عون كل من فقد عزيزا عليه، وكان الله في عون المصابات ويصبرهن على ماابتلاهن علي يد هذه البشعة، دون أدنى ذنب اقترفنه، كان الله في العون.

    ردحذف